السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
العالم
رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الهزيمة الانتخابية التي تعرض لها الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان تؤشر إلى بداية مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في منطقة شرق آسيا، في وقت لا يفتقر فيه العالم إلى قلاقل في منطقة حيوية أخرى.
فقد تعرض الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم في اليابان لهزيمة قاسية خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع والعشرين من شهر أكتوبر، حيث فقد أغلبيته البرلمانية لأول مرة منذ 15 عاما.
ففي الانتخابات المبكرة التي دعا إليها رئيس الوزراء الجديد شيجيرو إيشيبا، عانى الحزب الديمقراطي الليبرالي وإئتلافه المدعوم من التيار الديني كوميتو، من خسائر فادحة، حيث فشلا في تأمين أغلبية المقاعد البرلمانية التي كان يتمتع بها (قبل الدعوة للانتخابات المبكرة). فقد حصل الحزب الديمقراطي الليبرالي على 191 مقعدا، بانخفاض 23% عن المجلس التشريعي السابق، أي أنه فقد 56 مقعدا من إجمالي المقاعد التي كان يحظى بها. أما كوميتو، الذي تدعمه الجماعة البوذية سوكا جاكاي، فقد شهد هو الآخر نتيجة قاتمة، حيث انخفضن نسبة مقاعده بنحو 25% إلى 24 مقعدا فقط، إضافة إلى فشل زعيم كوميتو نفسه في الفوز بمقعده في هذه الانتخابات.
وتعتبر نتيجة هذه الانتخابات مريرة بشكل خاص بالنسبة لرئيس الوزراء إيشيبا، الذي انتخب رئيسا للحزب الديمقراطي الليبرالي شهر سبتمبر الماضي فقط وبالتالي رئيسا للوزراء، فيما يعد إيشيبا شخصية سياسية معروفة على مدى السنوات العشرين الماضية وشغل مناصب مؤثرة، بما في ذلك وزير الزراعة والثروة السمكية ووزير الدفاع.
وجاء التراجع في نتائج الحزب الحاكم نتيجة لسلسلة من الفضائح المالية التي هزت سمعة الحزب مؤخرا، والتي تتعلق بجمع أموال بشكل غير لائق عن طريق مشرعين بالحزب، فيما تتزامن هذه النتائج مع حاجة اليابان الماسة إلى استقرار سياسي في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ووضع أمني متوتر في شرق آسيا.
وأشارت المجلة إلى أن منصب إيشيبا نفسه والذي شغله قبل أيام معدودة، ووفقا لنتائج الانتخابات الأخيرة، بات مهددا، وإن كانت عملية استبداله في هذا التوقيت ستكون صعبة.
وفي هذا الصدد، بدأت المفاوضات خلف الكواليس مع الأحزاب الأصغر التي ستحافظ على توازن القوى إما للحزب الديمقراطي الليبرالي أو حزب المعارضة الرئيسي، الحزب الديمقراطي الدستوري. وقد اقترح الحزب الديمقراطي الليبرالي عقد جلسة برلمانية في الحادي عشر من نوفمبر، لاختيار رئيس وزراء جديد. وإذا لم يحصل أي مرشح على الأغلبية، فسوف تجرى جولة ثانية تمنح المنصب لصاحب أكبر عدد من الأصوات، وهو ما يثير احتمالات تشكيل حكومة أقلية ضعيفة. وفي هذه الحالة، سيكون من الصعب الحفاظ على استقرار مثل هذه الإدارة.
وترى المجلة الأمريكية أن القلق الأكبر حاليا هو أن التنافس على السلطة، ومحاولات تشكيل الإئتلافات، والتنافسات الشخصية من شأنها أن تترك اليابان بعيدة إلى حد كبير عن الساحة العالمية في الوقت الذي قد يكون وجودها مفيدا للغاية.
وأوضحت المجلة أن اليابان أصبحت اليوم دولة في الخطوط الأمامية في مواجهة التحالف المتنامي بين جيرانها (الصين وروسيا وكوريا الشمالية)، وذلك بعد سنوات طويلة من الابتعاد عن الانغماس بشكل مباشر في القضايا الدولية.
فعلى الرغم من عدم وجود جيش رسمي أو بحرية أو قوة جوية عقب الحرب العالمية الثانية، إلا أن بناء قوات الدفاع الذاتي اليابانية كان يجري بهدوء منذ عام 1950. وتسارعت وتيرة ذلك في سنوات حكم رئيس الوزراء شينزو آبي من عام 2012 إلى عام 2020، وتم تعزيز ذلك بشكل أكبر خلال حكم فوميو كيشيدا المخلوع مؤخرا، والذي تعهد بمضاعفة الإنفاق الدفاعي تقريبا إلى عتبة عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) البالغة 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى عقد من الزمان، على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف سيتم تمويل ذلك.
وتجدر هنا الإشارة إلى أن القوة العسكرية اليابانية تعتبر واحدة من أكثر القوات قدرة في العالم، وعادة ما تكون من بين أفضل 10 جيوش، وقد أصبحت اليابان أيضا في محور التحالفات، حيث شكلت علاقات دفاعية مع مجموعة واسعة من البلدان بما يتجاوز تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.
وترى المجلة أن اليابان ودول جنوب شرق آسيا تراقب بحذر مسيرة الصين الثابتة نحو السيطرة على بحر الصين الجنوبي، لافتة في هذا الإطار إلى أن مخاوف اليابان تجسدت بوضوح في الموقف الأكثر صرامة الذي اتخذته في تصريحاتها بشأن السياسة الخارجية، حيث تخلت عن الكثير من تحفظاتها التاريخية، وسارع رئيس وزرائها حينذاك كيشيدا إلى إدانة غزو روسيا لأوكرانيا باعتباره "انتهاكا واضحا للقانون الدولي، وانتهاكا لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، وعملا ينال من أسس النظام الدولي".
وأوضح كيشيدا لاحقا سبب قلق اليابان، حيث قال للصحفيين خلال رحلة إلى واشنطن في عام 2023 إن "أوكرانيا قد تكون شرق آسيا غدا"، في إشارة واضحة إلى المخاوف من أن الصين قد تأخذ إشارة من موسكو وتمضي قدما في ما يسمى إعادة توحيد الصين وتايوان (وفقا للمجلة).
وحول القضايا ذات الأولوية على أجندة رئيس الوزراء الياباني القادم، يقول كوري والاس، المتخصص في السياسة الخارجية اليابانية في جامعة كاناغاوا في يوكوهاما باليابان، إن "الخطر يكمن في أن رئيس الوزراء الإئتلافي سيكون لديه الكثير من القضايا المحلية التي يتعين التركيز عليها. لذا سيكون مشغولا للغاية، وبالتالي قد لا يكون لديه المجال للانخراط في القضايا الدولية".
ونبهت المجلة الأمريكية إلى أنه من بين المخاوف التي تواجه اليابان أيضا في ملف السياسة الخارجية، هو كيفية التعامل مع عودة محتملة لدونالد ترمب كرئيس للولايات المتحدة. فقد كانت اليابان من بين حلفاء قلائل تجنبوا الصدام مع ترمب خلال ولايته الأولى، وهو ما يعود الفضل في جزء كبير منه إلى رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، الذي استطاع من خلال الجمع بين الإطراء ولعب الجولف، وفقا للمجلة، في البقاء على الجانب الجيد من ترمب المتقلب، إلا أن إيشيبا ليس في وضع يسمح له بتحقيق هذا الأمر إذا استمر على رأس السلطة.
وبشأن أفكار ورؤى رئيس الوزراء "إيشيبا"، أكدت المجلة الأمريكية أنه أثار بالفعل الدهشة ببعض التصريحات القاسية حول السياسات الخارجية والدفاعية لليابان. فقد قال خلال الفترة التي سبقت سباق زعامة الحزب الديمقراطي الليبرالي إنه يريد إعادة صياغة العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان لتكون أكثر مساواة في طبيعتها. كما اقترح نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي لمواجهة الصين. وفي مواجهة أسئلة حول كيفية عمل كل هذا، تراجع إيشيبا لاحقا، وقال: إن هذه كانت أفكار ورؤى بعيدة المدى.
وقوبلت مثل هذه التصريحات بانتقادات لاذعة، حيث قال الدبلوماسي الياباني السابق، ساداكي نوماتا، "يبدو إيشيبا ساذجا للغاية، خاصة وأنه كان بالتأكيد على معرفة جيدة بمختلف القضايا (قبل الإدلاء بتصريحاته) باعتباره خبيرا في مجال الدفاع".
وفي النهاية، ومع استمرار المؤامرات السياسية، فإن اليابان –أيا كان رئيس وزرائها- في حاجة إلى الاستعداد في أقرب وقت ممكن، خاصة في ظل تصاعد حدة التوترات في المنطقة مع (تقارير) عن إرسال كوريا الشمالية قوات إلى روسيا، ومدى ما تقرره روسيا وكوريا الشمالية والصين بشأن التحالف فيما بينهم.