شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري: خنجر في الظهر - بوابة المساء الاخباري

- أسرار وتفاصيل عزلي من رئاسة تحرير «الأحرار»

- سيطرنا على مقر الصحيفة في الرابعة صباحًا والاشتباكات اندلعت ظهر نفس اليوم

- «الأحرار» ظلت تصدر طبعتين.. طبعة برئاستي والأخرى برئاسة صلاح قبضايا

- الشرطة وقفت على الحياد وقرار النائب العام كان فاصلًا

هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشتُ فصولَها، انتصاراتهِا وانكساراتِها، حُلوَها ومُرَّها، اقتربتُ من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنتُ ضحيةً لعنفوانهم في أحيان أخرى، معاركُ عديدة دخلتها، بعضُها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي وقناعاتي.

أروي هذه الشهادات، بصدق وموضوعية، بعضُ شهودها أحياء، والبعضُ رحل إلى الدار الآخرة، لكنَّ التاريخ ووقائعه لا تُنسى، ولا يمكنُ القفزُ عليها، وتزويرُ أحداثها.

1- توابع قضية جيهان السادات

كانت قضية السيدة جيهان السادات، كاشفة للكثير من المواقف والمؤامرات، وكان الهدف هو عزلي من رئاسة تحرير صحيفة الأحرار، وكسر أقلام كُتّابها، ولذلك اجتمع بعض المعادين وقرروا استغلال الموقف لإقناع مصطفى كامل مراد باتخاذ القرار وتغيير هوية الصحيفة.

كنت قد تعرضت خلال تلك الفترة لوعكة صحية، أُودِعت على إثرها بالعناية المركزة لمدة أربع وعشرين ساعة بمستشفى السلام الدولى بالمعادى، كانت تلك هى المرة الأولى التى أنقل فيها للعلاج بأحد المستشفيات، بعد أن تعرضت لمتاعب فى القلب، استدعت نقلى للمستشفى فى منتصف الليل.. وقد سبق ذلك شعور متزايد بالإجهاد، يعود فى بعض أسبابه إلى الجهد الذى بذل فى أزمة جريدة الأحرار، وكذلك مواجهتى للعديد من رموز الفساد، والذين راحوا يستغلون موضوع جيهان السادات، لتصفية حساباتهم معى.

جيهان السادات

زارنى المئات من المحبين والأصدقاء، وعلى رأسهم د.إسماعيل سلام وزير الصحة فى ذلك الوقت، والذى كان يتابع حالتى بنفسه، وأيضا جاء مصطفى كامل مراد، رئيس حزب الأحرار لزيارتى مساء يوم الاثنين 26 أغسطس 1996، حيث اندمج فى حوار طويل مع المستشار جابر ريحان المدعى العام الاشتراكى، والذى تصادف قيامه بزيارتى فى الوقت نفسه.

كان مصطفى كامل مراد، كعادته، ودودًا فى حديثه، وكلماته عن دورى فى تحقيق حلم عمره، بتحويل الأحرار الأسبوعية إلى صحيفة يومية ناجحة، وبأقل الإمكانيات وتطرق الحديث معه إلى أمور كثيرة، ومن بينها قضية جيهان السادات، فحين تطرق الأمر إليها، قال بلغة حاسمة: «إن الأمر انتهى بالاعتذار الذى قدم لها على صفحات الجريدة»، ثم انصرف مودعًا، وهو يدعو لى بسرعة الشفاء، والعودة لمزاولة عملى بالصحيفة.

وحسب نصيحة الأطباء، فقد كان من المقرر أن أتوجه، وبصحبة أفراد أسرتى إلى العريش فى الساعة الرابعة من فجر يوم الخميس، لقضاء فترة نقاهة، بعد الوعكة الصحية التى ألمت بى، ويبدو أن تسرب هذا الموعد دفع بالمتآمرين لتحديد ساعة الصفر لتنفيذ مؤامرة جديدة ضدي، فمنذ الساعة السابعة من مساء يوم الأربعاء 28 من أغسطس 1996، بدأ تليفون منزلى، وتليفونات صحيفة الأحرار تتلقى اتصالات من مجهولين، تعطى رسالة قصيرة ومحددة، مضمونها أن مصطفى كامل مراد قرر إبعاد مصطفى بكري من رئاسة تحرير صحيفة الأحرار، وتعيين صلاح قبضايا رئيسا جديدا للتحرير.. لم أصدق الخبر فى بداية الأمر، ولكن تكراره بإصرار، ثم تساؤل عدد من الصحفيين والشخصيات العامة عن مغزى الخبر الذى بدأ ينتشر بقوة، دفعنى للاهتمام به، والسعى لمعرفة ما وراءه.

جانب من جلسة قضية جيهان السادات

في ذلك الوقت، كان مصطفى كامل مراد، قد توجه إلى شقته بالإسكندرية، بعد أن عقد اجتماعا مع قيادات الحزب ظهر ذلك اليوم، حيث استثمرت تلك العناصر قضية جيهان السادات لتصفية حساباتها معى، خاصة أننى تعاملت معهم طيلة فترة رئاستى لصحيفة الأحرار وفقا لمعايير محددة، رافضا أساليب البعض منهم فى استخدام الصحيفة لتحقيق أغراضه الشخصية، واستغل هؤلاء تحقيقا نشرته صحيفة «العالم اليوم» عن قوة نفوذى وجماهيريتي، فى حزب الأحرار، فى محاولة لتحريض مصطفى كامل مراد ضدى، بزعم أننى أصبحت مؤهلا بالفعل للسيطرة على الحزب.. لم تكن تلك إلا أكاذيب سخيفة، إلا أن الرجل أعطى أذنيه هذه المرة لدعاة التآمر، ووقع أسيرا لأحقادهم، والتى ساعدته فى القبول بالتضحية بمن كان يصفه منذ أيام قليلة بأنه فى مرتبة «الابن» لديه.

لم أذق طعم النوم طيلة هذه الليلة، بعد أن هبت رياح الخسة والنذالة، وبدت فى الأفق معالم مؤامرة يجري تنفيذها فى سرية وتكتم شديدين، وطيلة الليل لم يتوقف رنين الهاتف، ليؤكد لحظة بعد أخرى، حقيقة المؤامرة وتفاصيلها.

كنت فى هذه الفترة قد بدأت، وبناء على تكليف من مصطفى كامل مراد، فى التخطيط لقيادة حملة تطهير ضد الصحف الصادرة عن حزب الأحرار، وكنت أعتزم مطالبة تلك الصحف بتقديم كشوف حساباتها كاملة عن مواردها، ومصروفاتها، حتى يتأكد الحزب من سلامة الموقف المالى لكل منها، مما سيضع الحزب فى موقف سليم لدى تقديم كشوف حسابات تلك الصحف إلى الجهاز المركزى للمحاسبات، ويبدو أن بعض من تعج صحفهم بالمخالفات استشعروا خطورة ما أفعله، ولذلك بادروا بالتحرك سريعا لإجهاض قرار التفويض الذى اتخذه مصطفى مراد سرا فى هذا الشأن، ولما فشلوا فى إفراغه من مضمونه، راحوا يمارسون ألاعيبهم القذرة ضدى.

2- إعفائى من رئاسة التحرير

كان يوم الأربعاء 28 أغسطس 1996، يوم تجمع الكارهين.. جاءوا إلى الاجتماع، والحقد يقطر من قلوبهم على تجربة الصحيفة وجعلها رقما يصعب تجاوزه، ومعى كوكبة من الشباب المخلصين.. جاءوا مسلحين بقصاصات الجرائد، وأعداد صحيفة الأحرار التى حملت أسماء الزائرين لمصطفى بكرى فى المستشفى، وكان لسان حالهم جميعا يقول «إن بقاءه يعنى نهايتهم»، ويبدو أن مصطفى كامل مراد، قد خدعه كلام مريديه هذه المرة، وسقط فى حبائلهم، فانعقدت إرادة الحقد التى جمعتهم على اتخاذ قرار بإعفائى من رئاسة تحرير صحيفة الأحرار، وتعيين صلاح قبضايا رئيس تحرير الأحرار "الأسبوعية" فى بداية صدورها، رئيسا بديلا للتحرير.

مصطفى كامل مراد

كان المجتمعون يدركون أننى لن أستسلم بسهولة لهذا القرار، ولذا اتفقوا على ترك موعد إعلان القرار بيد مصطفى كامل مراد ورجب هلال حميدة وحدهما، وراحا يتخذان قرارهما، دون مراعاة لأى شىء، وكان التصرف الأكثر عدائية، هو تحديده وآخرون لساعة «الصفر» فى تنفيذ مخططهم فى ذات اللحظة التى كنت سأغادر فيها القاهرة إلى العريش مع أفراد عائلتى، لأقضى فترة النقاهة هناك بناء على تعليمات الأطباء، حيث كشف هذا الاختيار لتوقيت تنفيذ القرار طبيعة هؤلاء الناس.

في مساء هذه الليلة الفاصلة - ليلة الأربعاء - ربطت شبكة اتصالات ثلاثية، بينى وبين شقيقى محمود بكرى وعبد الفتاح طلعت مدير تحرير صحيفة الأحرار اليومى، كان خبر إعفائى من رئاسة التحرير يتراوح بين الحقيقة والشائعة، ولكن تنفيذه اتسم بالخداع، فحين اتصلت بمصطفى كامل مراد، للاستفسار حول حقيقة هذا الخبر، قال لى: «كيف أعزلك، وأنت لا تزال مريضا، ثم إنك فى مرتبة الابن مني»، وبالرغم من هذا الكلام، إلا أن ذلك لم يبدد القلق الذى تسرب حول صحة الخبر.

ظلت الأمور غامضة حتى الساعة الرابعة إلا ربعا من فجر يوم الخميس 29 أغسطس 1996، حيث تلقى شقيقى محمود بكرى اتصالا هاتفيا من الزميل عبد الفتاح طلعت مدير تحرير الأحرار، يبلغه فيه بأن صحيفة «الأخبار» نشرت فى صدر صفحتها الأولى خبرا يقول: «إبعاد مصطفى بكرى وتعيين صلاح قبضايا رئيسا لتحرير الأحرار»، هنا أيقنت أن الخبر صحيح تماما، وانفراد صحيفة «الأخبار» دون غيرها بنشر الخبر، يعنى التحقق من صحته، وفى تلك اللحظات رحت أتصل بمصطفى كامل مراد على تليفونه الأرضى بالإسكندرية، إلا أن هاتفه لم يرد مطلقا.

قررت فى هذه اللحظات إلغاء زيارتى العائلية إلى العريش، وجاءنى شقيقى محمود إلى منزلى بالمعادى خلال دقائق من تأكدنا من الخبر، وحين ركبت معه السيارة، وكنت متجهما مما سمعته، نظر إليّ بتفاؤل، وقال كلمة مازلت أتذكرها«"لا تحزن يا أخى على غدرهم.. فرب ضارة نافعة»، ويبدو أن الله كان يرسم لنا طريقا آخر فى مسيرتنا الصحفية، وأراد لنا الخروج عنوة من أزمة «الأحرار» لنطلق بعد بضعة أشهر صحيفتنا المستقلة «الأسبوع».

3- المواجهة

ما حدث من غدر، لم يكن سوى البداية فى حرب المواجهة، والتى جرت فصولها فى الأيام التالية، وكانت حديث الشارع المصرى برمته، بل وانتقل صداها إلى وسائل الإعلام العربية، التى راحت تتابع تفاصيلها لحظة بلحظة، بدأت حرب المواجهة منذ اللحظة التى تأكدت فيها من صحة القرار، لأنه صدر غدرا، ودون تحقيق أو مساءلة، ولم يتضمن أية مبررات، وكان ترك القرار يمر هكذا دون مقاومة، يعنى ترك المجال لأصحاب الصحف من رؤساء الأحزاب، وغيرهم ليتلاعبوا بمصائر الصحفيين، ويتعاملوا معهم وفقا لأمزجتهم الخاصة، وعلاقاتهم بهذا الشخص أو ذاك، بل وكان تمرير القرار دون رد فعل مناسب، يعنى أن حرية الصحافة برمتها معرضة للذبح على مذبح الأحزاب، بل يحق لرؤساء الأحزاب، وغيرهم، أن يقدموها قربانا لأصحاب المصالح والنفوذ.

تداعى الصحفيون، والعاملون بصحيفة الأحرار لرفض القرار، بعد أن أدرك الجميع أن القرار ليس موجها إلى شخص مصطفى بكرى، بقدر ماهو موجه إلى صحيفة «الأحرار»، ومواقفها فى عهدها الجديد، والذى تحولت خلاله إلى صوت للفقراء والمحرومين ومن لا صوت لهم.. كانت وقفة الصحفيين الأبطال منذ اللحظات الأولى بحجم التحدى الذى فرض عليهم، فقد توجهوا منذ الرابعة صباحا إلى مقر الصحيفة الكائن بـ«58 شارع منشية الصدر بكوبرى القبة»، وسرعان ما سيطروا معى على المقر بأكمله، وبدأوا فى إصدار البيانات التى تكشف عن تفاصيل المؤامرة وتؤكد رفضهم قرار إبعادى عن رئاسة التحرير.

من جانبى، رحت أجرى اتصالاتى مع عدد من كبار المسئولين بالدولة، لأطلعهم على أبعاد القرار الباطل، وأؤكد أن الصحفيين والعاملين قرروا الاعتصام بالمقر، وأنه لن يسمح لكائن من كان بدخول المقر، أواقتحامه، وأن أية محاولة ستجرى من هذا النوع، سوف تقابل بالرد الفورى، والقوى.. ومع انبلاج ضوء الفجر، وإشراقة الصباح، كانت أعداد غفيرة من قوات الأمن، تساندها العربات المصفحة بمقر الصحيفة، وتعلن سيطرتها على المنطقة.. وكان مما ساعدنا على السيطرة على مقر الصحيفة دون مقاومة، أن المخططين للمؤامرة، لم يحكموا خطوات تنفيذها.. فقد كان مقررا وفقا للاتفاق الاستعانة ببعض العناصر للسيطرة على المقر قبل علمنا بالخبر، ولكن لم ينفذ الطلب، وراح أحدهم فى نوم عميق، وحين أيقظوه، كان كل شيء تحت السيطرة فى المقر.

لقد تلقى المسئول عن السيطرة فاصلا من النقد من مصطفى كامل مراد، لتقاعسه، وقد أجرى معه اتصالا من الإسكندرية، عنفه خلاله على عدم مبادرته باحتلال مقر الصحيفة، قبل السيطرة عليه من قبل أنصارنا.. وقد حاول فيما بعد أن يستعيد ثقة مصطفى كامل مراد به، فتوجه فجأة بمجموعة من العناصر التابعة له، إلى مقر الصحيفة بكوبرى القبة، حيث ألقوا الحجارة على المقر، وحاولوا اقتحامه، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل، ورُدوا على أعقابهم خاسرين، وهى تطورات دفعت بقوات الأمن، بقيادة اللواء محمود وجدى مدير مباحث العاصمة، واللواء إسماعيل الشاعر نائب مدير المباحث، للتوجه لمقر الصحيفة، حيث حررا محضرا بحادث الاعتداء، وتابعا الموقف المتأزم عن كثب.

اللواء محمود وجدي

لقد تحول مقر صحيفة الأحرار إلى مسرح للعمليات، فأغلقت الطرق المحيطة به من كل اتجاه، ورحنا نستعد لإصدار عدد صحيفة الأحرار من مقر مركز النيل للصحافة والنشر، والذى أسسه شقيقى محمود بالعنوان 20 شارع عدلى - الطابق السادس، حيث كان من مفارقات القدر أن يستأجر المكتب من السيدة عايدة على حجازى، وهى والدة الدكتور محمد البرادعى الذى كان يعمل فى وكالة الطاقة الذرية فى هذا الوقت، وهو المقر الذى كان يستخدمه والده مصطفى البرادعى، والذى كان نقيبا للمحامين، كمكتب للمحاماة، لقد كان يتم نقل الأخبار والموضوعات عبر خطوط الهاتف والفاكس لاصدار العدد الجديد من المقر الخاص بالصحيفة للمقر الجديد، حيث تم الانتهاء من تجهيز عدد الصحيفة، والذى حمل رقم «1709» عند الساعة السادسة مساء، بتاريخ 30 أغسطس1996، وكانت صفحات العدد تحمل عنوانا رئيسيا، هو "قصة الخيانة" حيث نشرت الصحيفة التفاصيل الكاملة التى وقفت خلف المؤامرة على صحيفة الأحرار ورئيس تحريرها.

ولدى توجه الزملاء المكلفين بالطباعة بالصحيفة إلى مؤسسة الأهرام، رفضت المؤسسة فى البداية الطباعة، فاستمرت المحاولات حتى منتصف الليل، حيث وافقت الأهرام أخيرا على الطباعة فجر يوم الجمعة، وبدأت الطباعة فى نحو الثالثة صباحا، إلى ما بعد الفجر، وكانت الكمية المطبوعة من الصحيفة 60 ألف نسخة.

فى هذا الوقت، كانت هناك معركة من نوع آخر تدور رحاها داخل مبنى مجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة، بعد أن تقرر التحقيق فى الاتهامات والمحاضر المتبادلة فى ذات الليلة، حيث انتقلت منذ التاسعة مساء إلى مبنى النيابة، وتم الاستماع إلى أقوالى، وتم أيضا سماع أقوال ممثل الحزب، الذى جاء متحدثا بلسان حزب الأحرار، وقد استمرت التحقيقات مع الطرفين حتى الساعة الثانية والنصف صباحا، وفى نهايتها اتخذ رئيس النيابة قرارا ببقاء الوضع على ماهو عليه، لحين عرض الأمر على النائب العام يوم السبت 31 من أغسطس، وفور انتهاء التحقيقات انتقل رئيس النيابة إلى مقر الصحيفة بكوبرى القبة، حيث أجرى معاينة للموقف على الطبيعة، بينما كانت هتافات الصحفيين المعتصمين تخرق السكون المخيم على منطقة كوبرى القبة فى تلك الساعة المتأخرة من الليل، وقد اعتبر الصحفيون أن بقاء الوضع على ماهو عليه بمثابة انتصار، ولوجزئيا فى معركتهم الباسلة ضد القرار الظالم.

ومنذ فجر الخميس، لم يذق أحد منا طعم النوم، أو الراحة، وذلك لشعور الجميع بالقهر، وبرغم التعب الذى حل بهم، إلا أنهم كانوا على استعداد لمواجهة كافة الاحتمالات، وبدءوا بروح الفريق الواحد يوزعون الأدوار على بعضهم، تحسبا لطول أمد المواجهة.. وما أن بدأ نهار يوم جديد، حتى كانت أيادى القراء تتلقف أعداد صحيفة الأحرار برئاسة تحرير "مصطفى بكري" لتقرأ على صفحاتها الخفايا الكاملة لقصة الخيانة، وكان من الأمور المثيرة للعجب فى ذلك اليوم أن القراء شاهدوا طبعتين لصحيفة «الأحرار"، واحدة برئاسة تحرير مصطفى بكرى، والأخرى برئاسة تحرير صلاح قبضايا رئيس التحرير الجديد، الذى عينه مصطفى كامل مراد.. كانت مواقف الصحيفتين متناقضة لأبعد حد، واستمر هذا الحال على مدار يومى الجمعة والسبت.

4 المؤتمر الطارئ

كانت الاستعدادات جارية يوم الجمعة 30 أغسطس لعقد المؤتمر الطارئ لحزب الأحرار الذى كنت قد دعوت إليه ردا على قرار مصطفى كامل مراد بعزلى، خاصة بعد أن تلقيت عشرات البرقيات من أمناء حزب الأحرار بالمحافظات تعلن جميعها رفضها للقرار الظالم، وتؤكد تأييدها فى أية خطوات أتخذها لمواجهة هذا القرار.

مصطفى بكرى وقيادات حزب الأحرار

منذ الصباح الباكر، تدفقت الجماهير على مقر حزب الأحرار، الذى اكتظ بطابقيه، العلوى والسفلى بالصحفيين، والمواطنين، ولم يعد هناك موطئ قدم لأحد، رنين الهاتف لا يتوقف، ووكالات الأنباء والصحف تلاحق المعركة من داخل مقر الصحيفة أولا بأول، بينما العمل يجرى على قدم وساق لإصدار العدد الجديد من صحيفة الأحرار، كان اليوم هو يوم الجمعة، وقد آثر الحاضرون إقامة الصلاة داخل مقر الصحيفة، كان المشهد بديعا فى هذا اليوم، امتلأت الساحة الداخلية عن آخرها بجموع المصلين الذين أدوا الصلاة بروح مليئة بالإيمان، وراح الخطيب يدعو بالنصر والمؤازرة لنا فى معركتنا.. وبعد أن فرغ المصلون من صلاتهم، بدأت وقائع الموتمر العام الطارئ، والذى قدم له الصحفى عبد الناصر زيدان، وقاد الهتافات خلال أعماله الصحفى هشام جاد، وتحدث فيه كل من جمال علم الدين أمين حزب الأحرار بملوى، ومرتضى أبوعقيل أمين حزب الأحرار بسوهاج، وآخرون، وخلال المؤتمر تليت برقيات تأييد أمناء الحزب بالمحافظات، ممن لم يتسن لهم الحضور إلى القاهرة، لضيق الوقت.

تحدثت فى ختام المؤتمر إلى المجتمعين، مشيرا إلى أنه يعز عليّ الوقوف هذا الموقف بعيدا عن الاستاذ مصطفى كامل مراد الذى أحببته، وقلت «كم كنت أتمنى أن تسير الأمور طبيعية، ويعيش مراد بقية عمره بعيدا عن الهموم.. فمنذ أيام كان يزورنى ويشيد بالجريدة، وفجأة ينقلب الحال.. كيف يحدث ذلك؟.. وكيف نفرط فى مصالح الوطن والناس؟.. والجميع تساءلوا عن مبررات هذا الانقلاب السريع، ثم تبين أن هناك مؤامرة بالفعل».

وسط هتافات حوالى 535 عضوا، حضروا المؤتمر، تم انهاء أعماله، حيث أعقب ذلك المسارعة لتجهيز العدد الجديد من صحيفة الأحرار، والذى صدر بتاريخ السبت 31 أغسطس1996، حاملا عنوانا رئيسيا، وهو «وانتصرت إرادة الأحرار» حيث رصد العدد جميع التفاصيل، وتطورات اليوم السابق.. وما حدث يوم الجمعة، تكرر يوم السبت، بصدور صحيفة الأحرار بطبعتين متضادتين، حتى أن الصحف المصرية، والعربية، تناولت الأمر باهتمام كبير، باعتباره الحدث الأول من نوعه الذى تشهده صحافة مصر.

5- قرار النائب العام

كانت التطورات المتلاحقة تتواصل، حيث تحولت الأزمة إلى حديث رجل الشارع فى مصر، بعد أن راحت الصحف تتابع بدقة تطوراتها المتلاحقة، وتنشر أخبارها بشكل بارز فى صفحاتها الأولى.. ومع شروق نهار السبت 31 من أغسطس كان الجميع يترقب حسم الموقف فى هذا اليوم، حيث علمنا قبل الظهر أن مصطفى كامل مراد، وبصحبته رجب هلال حميدة توجها إلى مكتب النائب العام رجاء العربى بدار القضاء العالى، وتحصلا منه على قرار بتسلم مقر الصحيفة، والذى كان لايزال حتى تلك اللحظة تحت سيطرة أنصارنا، فيما انتقلت فى هذا اليوم إلى مقر مركز النيل للصحافة، لإدارة المعركة من هناك.

كان قرار النائب العام بتسليم مقر الصحيفة للسيد مصطفى كامل مراد، يعنى أن المواجهة سوف تكون بيننا وبين مؤسسات الدولة، وهو أمر لم نتعود عليه من قبل، لاحترامنا لأجهزة ومؤسسات الدولة، مهما كانت درجة الخلاف مع قراراتها، وهكذا اتفقنا على الالتزام بقرار المستشار النائب العام، وتم تكليف مدير التحرير عبد الفتاح طلعت بتسليم المقر، ومحتوياته، بما فيها وحدة الكمبيوتر كاملة، والمطبعة إلى اللجنة المشكلة من نيابة، وقسم شرطة حدائق القبة، جاءت خطوتنا التزاما بالقانون، ومع ذلك، جُوبهنا بمعارضة العديد من الزملاء لقرار تسليم المقر، ولكننا ألزمناهم باحترام قرار النائب العام، وتنفيذه دون إحداث أية مقاومة.

وكان من المفارقات التى حدثت فى ذلك اليوم، هو ما أقدم عليه أحد الزملاء الصحفيين، والذى جاء إلى مركز النيل، بشارع عدلى، محرضا على ضرورة الخروج فورا لاحتلال مقر حزب الأحرار الرئيسى بعابدين، رحنا نتساءل عن أسباب هذا التفكير، قال: ذلك ضرورى للرد على خطوة تسليم مقر الصحيفة بكوبرى القبة، ثم اكتشفنا أن هذا الصحفى يلعب دورا لتوريطنا بارتكاب خطأ ضد القانون، وهو أمر بعيد عن ممارساتنا، فأهملنا طلبه بعد أن تكشف أمره، وتبين حقيقة أهدافه ومراميه.

وعلى مدار الأيام القليلة بعد الأزمة، راحت تتكشف العديد من الأمور.. فتحت الصحف الموالية لمصطفى مراد أبوابها لكل من كشفتهم، وانتقدتهم، أصبح طلعت السادات ضيفا دائما على مقر الحزب والصحيفة، حتى أصبح عضوا بالحزب، وأمينا للدعوة والفكر، ثم ما لبث أن ظهرت نياته الحقيقية بعد وفاة مصطفى كامل مراد، حين راح يتصارع على رئاسة حزب الأحرار، وراحت الصحيفة، والتى طالما وجهت انتقادات حادة ضد منافسى فى الانتخابات البرلمانية، تستضيفه على صفحاتها، وتفسح له المجال ليرد على كل ما أثير ضده، ومن جملة هذه الانقلابات التى طالت كل شيء، أن أصبح سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير، والذى خضت معه مواجهات ساخنة، أصبح هو نجم صحيفة الأحرار فى عهدها الجديد، حتى إنه تكفل بطباعة صحيفة الأحرار فى مطابع المؤسسة، وتحولت الصحيفة وفى هذه الفترة إلى ما يشبه الملحق لصحف دار التحرير.

مصطفى ومحمود بكري والزملاء في جريدة الأحرار

وبعيدا عن الرموز المعادية التي وقفت مع المؤامرة، كان التطور الأخطر هو تبدل الموقف السياسي للصحيفة، فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فلم تكد تمضى أيام قليلة على إبعادى من رئاسة تحرير صحيفة الأحرار، حتى قام المستشار الإعلامى للسفارة الأمريكية بالقاهرة بزيارة لمقر «الأحرار» والالتقاء بالعاملين فيها، كما فتح المستشار الإعلامى للسفارة الإسرائيلية خطا مباشرا مع أحد الموظفين، والذى أصبح له شأن فى تسيير أمور الصحفيين بالجريدة بعد ابعادى.. لقد أعمى الحقد هؤلاء، حتى أنهم أصبحوا يشيدون بمواقف رموز معادية للوطن، دون التنبه إلى أنهم وضعوا أنفسهم فى مستنقع يصعب خروجهم منه بعد ذلك.

مضت الأيام ثقيلة، تناولت العديد من الصحف ووسائل الإعلام أبعاد المؤامرة، لم نستسلم ولم نتراجع وبدأنا رحلة البحث عن إصدار صحيفة أخرى نستكمل من خلالها مسيرتنا الصحفية بنفس توجهاتنا الوطنية والناصرية القومية.

جاء ذلك، في الحلقات التي ينشرها «الجمهور» يوم الجمعة، من كل أسبوع ويروي خلالها الكاتب والبرلماني مصطفى بكري، شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم السادات ومبارك والمشير طنطاوي ومرسي والسيسي.

اقرأ أيضاً
شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: حكايتي مع جيهان السادات

شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: من الأحرار اليومية إلى سجن الجمالية!!

شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: تجربتي مع الحزب الناصري.. صراعات وأزمات

شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: مصر الفتاة وكشف المستور

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سعر اللحوم مفاجئ للجميع.. وهذا ثمن الكيلو الآن في الأسواق .. بوابة المساء الاخباري
التالى 9 أفلام بين الوثائقي والقصير والطويل .. تفاصيل مشاركة مصر بمهرجان القاهرة .. بوابة المساء الاخباري