- التعامل مع 350 منطقة.. والأمم المتحدة تشيد بجهود الدولة
- برنامج الأغذية العالمي: تكامل سياسات التنمية في مصر
- الاستثمار في البشر قبل الحجر.. وتحويل التهميش إلى كرامة
- مشاريع التحول الحضاري تعيد رسم خريطة المجتمع المصري
- خطة شاملة للمستقبل.. والأرقام تتحدث عن تحولات الواقع
- خطوات ثابتة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز النهضة العمرانية
في قلب مصر، حيث كان واقع العشوائيات يعكس قصصًا من المعاناة والتهميش لعقود طويلة، جاءت جهود الجمهورية الجديدة لتفتح نافذة أمل جديدة نحو حياة كريمة ومستقبل أفضل. لم يَعُدِ الأمرُ مجرد مشاريع سكنية، بل بات هناك رؤية شاملة تتبناها الدولة لإعادة كرامة المواطن، وتغيير مفهوم المسكن من مجرد مأوى إلى بيئة متكاملة توفر سبل الحياة الكريمة.
منذ اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، بدأت مصر تشق طريقَها نحو إعادة بناء خريطة اجتماعية تُعلي من قيمة المواطن وتراعي حقَّه في العيش بكرامة، وذلك بإدخال تحسينات جوهرية على المجتمعات العشوائية. ففي كل مبنى جديد وكل حي مُطوَّر، نجد قلوبًا تهفو للعيش بسلام، وأجيالًا تطمح لمستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.
واليوم، أصبحت مشاريع مثل «بشاير الخير» و«روضة السيدة» و«الأسمرات» رمزًا لهذه التحولات الكبرى، لتحمل معها رؤيةً وطنيةً تضع الإنسان في مركز أولوياتها، مستلهمةً من طموح كبير وهمة لا تعرف الكلل في ظل دعم القيادة السياسية.
كان ملف العشوائيات في مصر أحد أخطر التحديات التي تواجه الدولة المصرية خلال العقود الأخيرة، حيث كانتِ الخريطة الاجتماعية تتجاهل الفقراء ومدى معاناتهم وتنظر إليهم باعتبارهم مهمَّشين، لكن الـ10 سنوات الاخيرة أعطتِ الملف أولوية قصوى.
تحول مشهد العشوائيات في مصر إلى صورة حضارية ونموذج مشرِّف، بل ومصدر إلهام للدول التي تسعى إلى تنفيذ هذه التجربة الرائدة في القضاء على العشوائيات وبناء مناطق سكنية حضارية تليق بالمواطن واعتبارها حقًا من حقوق الإنسان. لا أحد ينسى حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال تدشين مدينة العلمين الجديدة، عندما قال: كنت بشوف المناطق العشوائية والناس اللي ظروفها صعبة، قُلت يا رب لو معايا 100 مليار دولار، والله لصرفهم وأخلي الناس تعيش كويس. بقسم بالله، بس لو معايا، بس أنا مش معايا يا خسارة. وقد أعطاني الله هذه الفرصة اليوم بعد أن توليت المسئولية لأقوم بهذا العمل.
تقرير مجلس الوزراء
ولمعرفة حجم ما تم إنجازُه، بلغة الأرقام، وما سيتم خلال الأعوام القادمة في خطة تطوير العشوائيات، نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، بتاريخ 24 ديسمبر 2023، تقريرًا حول تجربة مصر في القضاء على العشوائيات لضمان حق المواطن في حياة آمنة وكريمة.
ذكر التقرير أنه «على مدى قرابة عقد من الزمن، تسارعت خُطى الدولة المصرية من أجل تحقيق نهضة وتنمية عمرانية متكاملة تعيد التوازن للخريطة الاجتماعية، وتتعامل بشكل جذري وحاسم مع ملف العشوائيات الشائك، وذلك من خلال بناء مناطق سكنية حضارية، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، وإعادة تنظيم وبناء المناطق غير المخططة، وتطوير البنية التحتية بها، وتوفير مختلف المرافق والخدمات الأساسية على نحو مستدام.. فضلًا عن توفير بيئة صحية وآمنة، والاهتمام بجودة حياة المواطنين، وتوفير سبل العيش الكريم».
أبرز التقرير التغيُّرَ الإيجابي لرؤية المؤسسات الدولية لجهود الدولة في القضاء على المناطق العشوائية، حيث نوه تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2021، باهتمام القيادة المصرية بملف تطوير العشوائيات باعتباره أحد أهم أولوياتها.. لافتًا إلى أنه تم افتتاحُ عدد من المشروعات، وعلى رأسها «بشائر الخير والأسمرات»، بما ساهم في انخفاض عدد السكان في المناطق غير الآمنة.
تمثل هذه الإشادة نقيضًا لما جاء في تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2010، الذي أشار إلى أن المناطق العشوائية تفتقر لأدنى معايير التنظيم والأمن، مما أدى إلى انتشار الجريمة والمخدرات، كما أدى ارتفاع أعداد سكان العشوائيات في القاهرة إلى تدني مستوى التعليم بشكل خاص.
بدوره، أكد برنامج الأغذية العالمي في عام 2023 أن هناك تكاملًا في سياسات التنمية المستدامة في مصر، وقد أثبتت مبادرة حياة كريمة النهجَ المصري المتكامل في التنمية، حيث تضمنت إعادة تأهيل البنية التحتية، وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية والصحية لتحسين جودة الحياة في القرى الأكثر فقرًا بالمناطق الريفية المهمَّشة.
وكان البرنامج ذاته يرى في عام 2011، أن المناطق العشوائية والمناطق الريفية البعيدة والمحرومة في مصر تعاني من مشكلات عديدة، مثل: تدهور الصحة العامة، المياه الملوثة، تدهور أنظمة الصرف الصحي، غياب المساواة في الرعاية الصحية، ونقص القدرات اللازمة لتوفيرها.
من جانبه، أشاد مكتب الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية عام 2020 بمشروع الأسمرات، مشيرًا إلى أنه يُعَد بمثابة نموذج جديد لاستيعاب المواطنين ونقلهم من المناطق الخطرة، حيث تم تطويرُ الأسمرات عبر توفير المرافق الصحية والتعليمية والرياضية، ويتمتع المشروع بشوارع متسعة، ويوفر الخصوصية للسكان، وهو ما ساهم بشكل كبير في تحسين جودة حياة السكان.
جاء ذلك على نقيض ما ذكره المكتب عام 2011 من أن جميع المناطق العشوائية في مصر مصنَّفة كمناطق غير آمنة، نظرًا لما تشكله من مخاطر بيئية وصحية.
كما أبرز التقرير الصادر عن مجلس الوزراء تصنيف الأمم المتحدة لمصر ضمن أفضل الدول في انخفاض نسبة سكان العشوائيات من إجمالي سكان الحضر عام 2022، حيث حصلت مصر على 99 نقطة مقارنةً بـ 95.9 نقطة عام 2014، و83.7 نقطة عام 2010، و65.3 نقطة عام 2005، و53.1 نقطة عام 2000، علمًا بأنه كلما انخفضت نسبة سكان العشوائيات، ارتفعت قيمة المؤشر.
ورصد التقرير جهودَ تطوير المناطق العشوائية، موضحًا أنه بالنسبة للمناطق غير الآمنة، بلغت تكلفة تطويرها 63 مليار جنيه، فضلًا عن التعامل مع 357 منطقة عشوائية غير آمنة بإجمالي 246 ألف وحدة سكنية، استفاد منها 1.2 مليون شخص، لتعلن مصر خلوها من المناطق العشوائية غير الآمنة بنهاية عام 2022.
وفيما يتعلق بالمناطق غير المخططة، أوضح التقرير أن تكلفة تطوير تلك المناطق ورفع كفاءة البنية الأساسية بها بلغت 318 مليار جنيه، علمًا بأن 15 مليون نسمة يقطنون تلك المناطق، وتبلغ مساحتها 152 ألف فدان.. لافتًا إلى أن 71 منطقة غير مخططة تم تطويرُها بمساحة 7108 أفدنة تخدم نحو 1.8 مليون نسمة، و89 منطقة غير مخططة جارٍ تطويرُها بمساحة 8706 أفدنة تخدم نحو 3.5 مليون نسمة، وقد أعلنت مصر أنها ستخلو من تلك المناطق بحلول عام 2030.
واستعرض التقرير التوزيعَ الجغرافي للمناطق العشوائية غير الآمنة التي تم التعامل معها، بعدد 54 منطقة في القاهرة بإجمالي 73882 وحدة سكنية، والجيزة 31 منطقة بإجمالي 7768 وحدة سكنية، والإسكندرية 10 مناطق بإجمالي 37583 وحدة سكنية، والبحر الأحمر 14 منطقة بإجمالي 8525 وحدة سكنية، والوادي الجديد 7 مناطق بإجمالي 2094 وحدة سكنية، وبورسعيد 10 مناطق بإجمالي 6372 وحدة سكنية، والسويس 5 مناطق بإجمالي 1136 وحدة سكنية.
مشروعات شهيرة
- روضة السيدة: يُعَد مشروع تطوير منطقة تل العقارب وتحويلها إلى روضة السيدة من أبرز المشروعات في ملف تطوير المناطق العشوائية، حيث يضم 816 وحدة سكنية و198 وحدة تجارية بتكلفة إجمالية 330 مليونًا. وقد تم تصميمُ الوحدات بشكل تراثي فريد يتوافق مع طبيعة المنطقة وتسليمها مفروشةً بالكامل للأهالي، ويجرى حاليًّا العمل في مشروع روضة السيدة 2، في الوقت الذي لم تغفل الدولة إنشاء إدارة لمتابعة المكان والحفاظ عليه، كما هو الحال في مشروع الأسمرات الذي يُعَد بؤرة ضوء في هذا الملف. كذلك تم تطوير منطقة الخيَّالة على مساحة 37.5 فدان، حيث تم بناء 42 عمارة توفر 2268 وحدة مقرر الانتهاء منها نهاية العام الجاري.
- مشروع المحروسة: وجاء مشروع المحروسة 1 و2، الذي يضم 195 عمارة توفر 4913 وحدة سكنية و129 وحدة إدارية وتجارية لتوفير المسكن الملائم لأهالي مناطق السد العالي 2 وعشش النهضة، وبطن البقر، وسيد فرج، وحكر السكاكيني القديم والجديد، وعرب الحصن، وسوق الجمعة والحطَّابة. وقد تم تسكين بعضهم بالفعل.
- بشاير الخير: مرحلة جديدة في ملف تطوير العشوائيات كانت قد بدأت بمشروع «بشاير»، وهو أحد أبرز المشروعات التي أسست مرحلة جديدة في مفهوم الدولة لتطوير المناطق العشوائية، بعد أن حمل مفهومًا جديدًا تمثل في إنشاء مجتمعات سكنية متكاملة مؤثثة بالكامل. وبدأ العمل بالمشروع في عام 2014، حيث أزيلت جميع المنازل القديمة بمنطقة غيط العنب بالإسكندرية، وبدأ العمل في إنشاء 34 عمارة على مساحة 12.3 فدان بإجمالي 1632 وحدة سكنية تستوعب 9 آلاف مواطن من أهالي المنطقة داخل شقق بمساحة 90 مترًا شاملة المرافق والتشطيبات والفرش والتجهيز.
- بشاير الخير 2 و3: يضم مشروع «بشاير الخير 2» حوالي 995 وحدة، و«بشاير الخير 5» تحتوي على حوالي 15200 وحدة سكنية، والتكلفة حوالي 5 مليارات جنيه. واستغرق تنفيذُ المرحلة الأولى للمشروع عامين بتكلفة 532 مليون جنيه، وتتضمن المرحلة الثانية إنشاء 48 عمارة بإجمالي 2000 وحدة سكنية بتكلفة 400 مليون جنيه.
أما المرحلة الثالثة «بشاير الخير 3» فتضم ألف وحدة سكنية، و3 مناطق خدمية تضم منشأة تعليمية، ومستشفى، ومسجدين بمسطح 800 متر، و4 مساجد صغيرة، وكنيسة بمسطح 800 متر، ومركز شباب، وبنكًا، ومكتب بريد، ومنطقة أنشطة تجارية وإدارية وترفيهية. وتُعتبر المرحلة الثالثة من «بشاير الخير» الأهم والأكبر ليس فقط في عدد الوحدات السكنية التي تم تشييدُها، ولكن لأنها ستنقل حياة أسر عاشت في عشش من صفيح عشرات السنين إلى وحدات سكنية جديدة تتسع لنحو 53 ألف فرد، وسيتم تشكيل لجنة لاختيار وتحديد الأسر المستحقة، التي تعاني من الإقامة في مناطق عشوائية تمثل خطورة داهمة على حياتهم مثل منطقة «مأوى الصيادين»، وتتضمن اللجنة كافة الجهات المعنية. ويتضمن «بشاير الخير»، قسمين: الأول منطقة الأهالي، وتم تنفيذُها على مساحة 105 أفدنة، وتضم 200 عمارة سكنية بواقع 10 آلاف و624 وحدة سكنية، ومن المستهدف أن يستفيد أكثر من 50 ألف مواطن من هذا المشروع. وقد تم إنجازُ المشروع في عامين ونصف العام، وشارك فيه أكثر من 75 شركة مصرية. كما يضم القسم الثاني من المشروع منطقة استثمارية على مساحة 30 فدانًا، وتضم مجمع سينمات، ومجمع بنوك، وعددًا من قاعات متعددة الأغراض، وعددًا من الكافيهات ومحلات تجارية على طابقين وروف بإجمالي مساحات 39 ألف متر مربع، ومبنى مطاعم على طابقين وروف بإجمالي 5654 مترًا مربعًا، ومحطة وقود على مساحة 3767 مترًا مربعًا، بالإضافة إلى مبنيين مطاعم وكافيهات على 3 أدوار وروف بمسطح 14386 مترًا مربعًا للمبنى، بإجمالي مسطح المبنيين 28 ألفًا و772 مترًا مربعًا.
- مشروع معًا: من المشروعات القائمة في منطقة مدينة السلام على مساحة 70 فدانًا، ويضم 4500 وحدة سكنية بتكلفة 1.1 مليار جنيه. وقد تم الانتهاءُ من المرحلة الأولى بالكامل، ويجرى حاليًّا وضعُ اللمسات الأخيرة للمرحلة الثانية، التي تضم 3312 وحدة سكنية. والمشروع عبارة عن كمبوند متكامل يضم مركزًا ترفيهيًّا ومسرحًا ودورَ عرض ودارَ مسنين وحضانة ومدرسة ومسجدًا ومنطقة حِرفية.
- مثلث ماسبيرو: من أهم مشروعات التطوير الجاري تنفيذُها بالقاهرة لإعادة رونقها الحضاري، وسيغير من خريطة المنطقة بعد الانتهاء من أعمال التطوير، ويُعَد محل اهتمام ومتابعة من القيادة السياسية. تبلغ المساحة المخصصة لمشروع الأبراج بمثلث ماسبيرو 6.2 فدان، ويتكون المشروع من دور بدروم (جراج سفلي) بمسطح 19220م²، سعة 353 سيارة، ودور أرضي (تجاري) بمسطح 16970م²، ودور أول (جراج علوي) بمسطح 15800م²، سعة 280 سيارة. ويضم المشروع برجين للسكن البديل لمَن وافق من سكان منطقة «مثلث ماسبيرو» على خيار العودة إليها بعد تطويرها، ويتكون كل منهما من 18 دورًا سكنيًّا بإجمالي 468 وحدة سكنية، وبلغت نسبة التنفيذ 67%. كما يتضمن برجًا ثالثًا بارتفاع 23 دورًا سكنيًّا بإجمالي 134 وحدة سكنية، وبلغت نسبة تنفيذه 72%، وبرجًا رابعًا (برج إداري) يتكون من بدروم ودور أرضي تجاري و15 دورًا متكررًا بإجمالي مسطح 10200م²، وبلغت نسبة تنفيذه 50%.
- مشروع أهالينا: افتتح الرئيس السيسي مشروع أهالينا 1 بمدينة السلام عام 2018 لنقل سكان المناطق العشوائية الخطرة من الدرجتين الأولى والثانية، وانتهت عمليات المشروع في زمن قياسي، وتم تسليم 25 عمارة سكنية، كل عمارة مكونة من 12 دورًا بإجمالي 1064 وحدة سكنية. فيما تتواصل عمليات تنفيذ مشروع أهالينا 2 على مساحة 15 فدانًا لتوفير 1400 وحدة بتكلفة تقديرية 700 مليون جنيه، ومن المقرر الانتهاء منه قريبًا.
- زهور 15 مايو: ويُعَد مشروع زهور 15 مايو من أسرع مشروعات تطوير المناطق العشوائية في المنطقة التي تضررت من السيول في مارس الماضي، حيث تم إنشاءُ مجتمع متكامل يتكون من عمارات وأحواش كبيرة لفرز وجمع القمامة بجانب حظائر لتربية المواشي.
وفي إطار جهود الوزارة في ملف العشوائيات، تم إعلانُ محافظات «بورسعيد، البحر الأحمر، السويس، والإسماعيلية» محافظات خالية من العشوائيات، لتكون التجربة المصرية مثالًا يُحتذى في التحدي والإرادة.