منذ منتصف القرن العشرين، أصبح نظام الإيجار القديم جزءًا أساسيًا من تركيبة السوق العقاري في مصر، حيث وفَّر سكنًا ميسرًا في ظل الأزمات الاقتصادية، لكن رغم مرور أكثر من 70 عامًا على تطبيقه، أصبح النظام موضع شد وجذب بين الملاك والمستأجرين. فمن جهة، يعاني الملاك من تدني العوائد المالية الناتجة عن قيمة الإيجارات الثابتة التي لم تتغير لعقود عدة، بينما يخشى المستأجرون من التأثير السلبي لأي تعديلات قد تطرأ على حقوقهم السكنية.
ووفقًا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد الوحدات السكنية التي تخضع لقانون الإيجار القديم في مصر يتجاوز 5.5 مليون وحدة، مما يعكس الحاجة الماسة لتعديل القانون بما يتوافق مع الظروف الحالية، وتغيير العملات، مع مراعاة الظروف المعيشية الحالية، لكن يمكن القول إن الأزمة التي يواجهها قانون الإيجار القديم تستدعي تدخلًا تشريعيًا سريعًا يراعي التوازن بين حقوق كل الأطراف، بحيث لا يؤثر سلبًا على الفئات الأقل دخلًا.
يوضح نائب رئيس جمعية المضارين من قانون الإيجار القديم، عمرو حجازي، أن القانون أصبح غير دستوري وغير اقتصادي، وأنه أوجد إرباكًا في العلاقة بين الملاك والمستأجرين وأضر بفئة الملاك في رؤوس أموالهم، ولم يُحقق مصلحة المستأجرين بشكل كامل، وهناك العديد من المستأجرين الذين لا يستطيعون دفع الإيجار ولا يملكون بديلًا للسكن، وبعضهم يقيم في عقارات آيلة للسقوط بسبب عدم قدرة الملاك على توفير صيانة دورية نتيجة لتدني الإيجارات.
أكد "حجازي" أن القانون القديم دمر جزءًا كبيرًا من الثروة العقارية في مصر، حيث تحولت العديد من عقارات الإيجار القديم إلى "خردة"، وأن ما يحدث من انهيارات متكررة في العقارات يعود إلى غياب الصيانة الدورية، نظرًا لتدني قيمة الإيجار التي لا تعطي المالك القدرة على صيانة ممتلكاته، في حين أن المستأجرين ليسوا معنيين بصيانة عقار لا يملكونه. وهناك بعض المستأجرين القادرين على الدفع، ش لكن الغالبية منهم سيتظاهرون بعدم القدرة، نتيجة القانون القديم، خاصة الأغنياء الذين يختبئون وراء عباءة الفقراء.
اعتبارات
قال حجازي إن حكم المحكمة الدستورية الأخير كان مهمًا لأنه أشار إلى ثلاثة اعتبارات أساسية: تغير قيمة العملة، والقيمة الشرائية، ومعدلات التضخم. هذه العوامل يمكن أن تساهم في حل جزء كبير من المشكلة. ورأى أن الحل الجذري يكمن في إعادة الإرادة للمالك في التحكم في أملاكه المؤجرة، مشددًا على أن هذا القانون قد كرَّس الظلم وأضر بكل من الملاك والمستأجرين والدولة على حد سواء، إذ منع تحصيل الضرائب العقارية من ملايين الوحدات السكنية المعطلة.
من النقاط التي تثير الجدل "الخلو"، الذي كان يدفع في الماضي كدفعة غير قانونية من المستأجرين للمالكين، وحسب حجازي، فإن "الخلو" جريمة يعاقب عليها القانون، وأنه لا يمكن مكافأة المستأجرين الذين شاركوا فيها، هو ليس جزءًا من العقد الرسمي، وبالتالي لا يمكن اعتباره مدفوعًا قانونيًا، بينما "المقدم" كان خصمًا من قيمة الإيجار يتم تسجيله في العقد، وهذه الفجوة القانونية بين الحقوق والواجبات تتطلب الفصل الواضح بين المصطلحات القانونية وإعادة صياغة آليات تنفيذ هذا النظام بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي الحالي، ويجب أن تكون القيمة الفعلية للإيجار مناسبة للتضخم وصرف قيمة العملة، وهو ما يحتاج إلى تعديل قانوني عاجل.
وطالب حجازي مجلس النواب بتعديل القانون بما يتناسب مع القيمة العادلة للإيجار، ودراسة النظام بشكل شامل لضمان حماية حق الملكية كما ينص الدستور، وإذا لم يُصدر المجلس القانون في دور الانعقاد المقبل، سنضطر إلى اللجوء للقضاء للمطالبة بحقوقنا في إيجارات عادلة، وأكد حجازي أن الدستور ينص على أن حق السكن الآمن والملائم تكفله الدولة للمواطنين، وخاصة لغير القادرين، لكنه أشار إلى أن نظام الإيجار القديم لا يحقق هذا الهدف بشكل سليم.
يشير جلال (مالك عقار) إلى أن قيمة الجنيه في بداية تطبيق قانون الإيجار القديم كانت مرتفعة مقارنة بالقيمة الحالية، حيث كان الجنيه الذهب يعادل 99 قرشًا، بينما اليوم تصل قيمته إلى 30 ألف جنيه. والانخفاض في قيمة العملة ينعكس بشكل واضح على قيمة الإيجار والتي يتم دفعها الآن مقارنة بالقيم السوقية الحالية، مما يستدعي ضرورة تعديل القانون ليواكب الظروف الاقتصادية الحالية.
عرقلة
يؤكد "ج.أ" (مالك أحد العقارات بمحافظة الدقهلية) أن القانون القديم لا يمنح الملاك القدرة على التصرف في ممتلكاتهم، حيث لا يمكنهم إخراج المستأجرين أو بيع العقار دون اللجوء إلى القضاء، مما يعرقل حركة السوق العقاري. هذه الوضعية تمثل عبئًا كبيرًا على الملاك الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على استثمار أملاكهم بالشكل الأمثل. وعندما كان المستأجر يدفع 3 جنيهات فقط، كانت هذه القيمة مرتفعة نسبيًا في ذلك الوقت.
وأضاف: طبقًا لهذا السياق، تم إصدار القانون على أساس أن قيمة العملة لن تنخفض بهذه النسبة الكبيرة. كان يتم التعاقد وفقًا لنظام العقد المفتوح. الشقة التي تخضع لنظام القانون القديم تكون مقيدة للمالك، حيث لا يستطيع بيعها أو إخراج المستأجر منها، نظرًا لأنها تخضع لعقد مفتوح. وبالتالي ليس لدى المالك القدرة على التصرف فيها بحرية. لذا أصبح من الضروري تعديل القانون بما يتناسب مع الواقع السوقي الحالي، مع مراعاة حقوق المستأجر والمالك معًا.
يقول "أ.خ": ورثت عمارة مكونة من 5 طوابق في شارع العزيز بالله في حي الزيتون، وخرجت لأؤجر خارج المنزل حتى أتمكن من الزواج. القانون القديم يضيع حقوق الوارثين. لماذا يجب أن أخرج من المنزل وأدفع إيجارًا بينما أنا مالك لعقار مكون من خمسة طوابق في منطقة سكنية راقية، ولا يحق لي أن أُخرج المستأجرين من عقاري بحكم القانون؟ لابد من وضع نهاية لهذا الأمر من أجل تقنين أوضاع المستأجرين وإعادة الحقوق إلى أصحابها.
اعتراض
تقول "ف. ع"، إحدى المستأجرات في منطقة وسط القاهرة: "أرفض التطورات الجديدة، الظروف المعيشية أصبحت صعبة للغاية، والمعاش الذي أتقاضاه لا يكفي إلا لتغطية تكاليف الحياة الأساسية والعلاج. كل شيء ارتفع سعره، ومعظم الناس أصبحوا غير قادرين على مواجهة الزيادة المستمرة في الأسعار. بالنسبة لي، الوضع الاجتماعي لا يسمح بزيادة الإيجار، خاصة أنني لا أستطيع تحمل تكاليف إضافية." حاليًا، أنا أدفع 500 جنيه في الشهر شاملة الكهرباء والخدمات.
أضافت: "إذا كانت الزيادة ضرورية، فأنا أوافق على زيادة بسيطة، بنسبة لا تتجاوز 50% فقط. دفعت خلو رجل 400 جنيه سنة 1968، وكان هذا المبلغ يمثل قيمة كبيرة في ذلك الوقت، فما السبب الآن في أن أضطر لتحمل زيادة كبيرة في الإيجار؟ نحن لا نملك القدرة على مواجهة التكاليف الزائدة، وكل ما نطلبه هو العيش في سكن ميسر ومستقر دون تحميلنا أعباء إضافية. لذا يجب أن يتم مراعاة الظروف المعيشية للمستأجرين، خاصة الذين هم في مثل حالتي".
اعتراف
توضح "أ. أ"، إحدى المستأجرات في شارع طلعت حرب بوسط القاهرة، أن القانون القديم قدم لنا ضمانات سكنية استمرت لسنوات طويلة، ومع مرور الوقت أصبح من الصعب تحمل استمرار الإيجارات الثابتة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. اعترفت بأن قيمة الإيجار حاليًا لا تتناسب مع القيمة التسويقية، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار العملات وحالة التضخم التي نشهدها، لكن يجب مراعاة أحوالنا المعيشية عند زيادة الإيجار، ويجب الأخذ في الاعتبار التزاماتنا المعيشية الأخرى من مأكل وملبس ودواء.
يشير "جلال" أحد مستأجري عقار العباسية القديمة إلى أن شقته هي ميراث عن والده الذي استأجرها منذ عام 1970، وأن قيمة الإيجار التي يدفعها حاليًا هي خمسة جنيهات فقط، وأن وضعه المادي لا يتحمل أي زيادة كبيرة في قيمة الإيجار، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. موضحًا أن هذا الوضع، وإن كان غير عادل للملاك، إلا أنه واقع معيشي لا يمكن تجاهله، خاصة وأن العديد من المستأجرين، وخاصة كبار السن، غير قادرين على تحمل أعباء مالية إضافية.
أعرب شعبان مصطفى، أحد ساكني عقارات عين شمس، عن رفضه القاطع لأي تعديل على عقود الإيجار القديمة، وأن بنود العقد الذي وقع عليه ثابتة ولا يجوز المساس بها. لا يقبل بأي تغيير في الشروط المتفق عليها مسبقًا، وأن استقراره في الشقة وتأسيس أسرته بها يجعل من الصعب عليه تركها، حتى لو تطلب الأمر زيادة في قيمة الإيجار.
وتقول إحدى المستأجرات في وسط القاهرة: "استقررت في شقتي منذ 60 عامًا ودفعت 200 جنيه (خلو رجل) عندما كان سعر الجنيه الذهب ثمانية جنيهات، وأن الإيجار كان 25 جنيهًا وتم زيادته من قبل الحكومة ليصل إلى 36 جنيهًا." مشيرة إلى أنها حاليًا تدفع 500 جنيه شاملة الإيجار والخدمات.
إصلاح قانون الإيجار القديم أصبح أمرًا ملحًا لضمان العدالة بين الملاك والمستأجرين على حد سواء، مع الحفاظ على استقرار السوق العقاري. التعديلات المنتظرة يجب أن تأخذ في اعتبارها العدالة الاجتماعية والاقتصادية لكل الأطراف، مع مراعاة الظروف المعيشية للمستأجرين وحق الملاك في استثمار ممتلكاتهم.
اقرأ أيضاً
رئيس «إسكان النواب» يكشف حقيقة زيادة قيمة الإيجار القديم لخمسة أضعافرئيس اتحاد المستأجرين: حكم الدستورية العليا بشأن قانون الإيجار القديم شدد على ضرورة حماية المستأجر