دولة المداحين فى صعيد الصــــــــعيد

دولة المداحين فى صعيد الصــــــــعيد
دولة
      المداحين
      فى
      صعيد
      الصــــــــعيد

محمدالعجوز.. المطرب الشارد

  • أشاع المقربون أنه يعيش قصة حب مع فنانة مصرية شهيرة وادعى البعض أنه تقدم طالبا الزواج منها ورفضته فما كان منه إلا أن غنى أغنية «أشكرك»

لا شك أن وجود الصوفية وازدهارها فى جنوب مصر ساهم فى اعتدال تفكير المواطن هناك، فبات المجتمع عصيا على الاختراق، وكافحت الجماعات المتشددة كثيرة للمرور بين ثناياه لكنها لم تنجح أبدا.. فحتى الطفل الصغير يدرك أن المتشدد ينظر إلى مقامات الأولياء وأضرحة الشيوخ بنوع من الرفض والإنكار، وهو ما يتعارض مع تفكير أبناء تلك المناطق، لذا هم على طول الخط ضد التشدد والإرهاب.

يتميز أهل جنوب الصعيد بمحبتهم لآل البيت وأولياء الله الصالحين، لذا فى كل قرية ستجد ضريحا، وفى كل نجع ستجد زاوية، وفى كل بيت صورة لشيخهم المبارك، كما يتفاخر الناس هناك بموالدهم، فيؤرخون لحسابات الأيام بموالد الشيوخ، كأن يقول أحدهم، سنأتى لك زيارة فى ليلة مولانا أبو الحجاج، أو نلتقى فى مولد سيدى عبد الرحيم القناوى، وهكذا باتت تلك الأيام هى التقويم الرئيسى فى حياة القرى هناك، وهو ما جعل الموالد نفسها تأتى كليال مشهودة، يبذل فيها أهالى القرى ما لديهم لجلب أكبر المداحين والشيوخ.. فارتفعت بالتالى أسماء بعينها، وباتت ملء السمع هناك، مثل أحمد برين وعبد الحميد الرنان وجمال الإسناوى ومحمد العجوز وغيرهم.. وتميز كل مداح من هؤلاء بطريقته التى لا تشبه غيره، وله أيضا معجبون له، فبات لكل مداح طريقة وشعبية فى منطقة ما..

فى الأول من مايو سنة ٢٠١٠م كان أهل الصعيد على موعد مع الحزن حين وصلهم نبأ وفاة المداح الشهير محمد العجوز فى حادث مأساوى أودى بحياته وحياة اثنين من أفراد فرقته الغنائية.

تحديدا فى المسافة بين قريته بنى هلال ومدينة أسوان، وأثناء قيادته لسيارته، اصطدم المطرب المعروف بعمود كهرباء على جانب الطريق السريع، فوافته المنية هو ومن معه، لتضع هذه الحادثة نهاية لمشوار العجوز الطويل فى الغناء، وتصيب أهل تلك الأنحاء بالحزن الشديد على فقيدهم الغالى.

كمداح وعاشق لآل البيت اشتهر المنشد محمد العجوز فى جنوب الصعيد ككل، وسيشتهر فيما بعد فى كل مناطق الجمهورية، وساهم جمال صوته وقوته فى وصوله لكل مناطق الصعيد، فبات المنشد المفضل لأغلبهم، خاصة أن ظهوره اقترن من خلال المساجلات الغنائية بينه وبين المنشد والمداح العظيم «أحمد برين»، وأصدرا معا ألبومات عديدة تحتوى على هذا المعارك الغنائية، الأمر الذى ساهم فى شهرته، ومنحه الكثير من الاحترام.. كما أن بعض هذه الألبومات ما زالت تتردد لدى بعض عشاقها، يسمعونها كل فترة ويتحسرون على زمنها الجميل، مثل ألبوم «السفينة» الشهير، وألبوم «فرش وغطا» وغيرها، وهى التى جرى تسجيلها بمعرفة شركات إنتاج الكاسيت فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، وانتشرت انتشارا واسعا فى ذلك الحين.

خلال مسيرة هذا الفنان حدثت الكثير من التحولات، فالمتابع لإنتاجه الغنائى سيلمس لا محالة تأرجحه بين الحالة الصوفية الإنشادية، وحالة الوعظ المجتمعى، وأخيرا حالة العشق.. لم يكن يستقر على منهج بعينه، وهو ما يوضح الصراعات التى تشتعل بداخله إزاء الأمر.

فالعجوز مطرب صعيدى، لكنه يضع مطربى القاهرة نصب عينيه، مع إدراكه أن هناك اختلافًا كبيرًا ومسافات شاسعة بينه وبينهم، فهو ذلك المطرب الذى اتخذ من الجلباب والعمة علامة مميزة وشكلًا يظهر به فى حفلاته وعلى أغلفة الألبومات الغنائية، كما أن كلماته تنحو تجاه الجدية، وتناقش موضوعات كبيرة، أقلها ذات قيمة اجتماعية، إذا ما نحينا المديح جانبا.

بينما يظهر مطربو القاهرة بما يميزهم من ملابس وشكل يتناسب مع معيشتهم، ويلائم أكثر مشروعاتهم الغنائية، تلك المشاريع التى يعتبرها أهل الجنوب نوعا من الخلاعة والمياصة.

وهو ما جعله يعيش أزمة لا يشعر بها سوى المتتبعين لمساره الغنائى، لأنها تلقى بظلالها على ما يغنيه.

كما قلنا فإن رحلة العجوز شهدت الكثير من التحولات ساهمت فى تحوله لعلامة استفهام كبيرة عند المتابعين له، كما أبعدته من موقع الصدارة الشعبية التى ظل لفترة طويلة مسيطرا عليها.

مثله مثل من أراد بلح الشام وعنب اليمن فسعى للحصول على الاثنين فى نفس الوقت، فنتج عن ذلك خروجه خالى الوفاض، فلا استطاع أن يجنى هذا أو حتى يأكل ذاك.

ربما توقف فى فترة من الفترات أمام نفسه فى المرآة وسأل: ماذا ينقصنى لأكون مطربا مثل عمرو دياب أو حتى إيهاب توفيق؟.. ودعم هذا التساؤل فهمه الجيد للموسيقى وقوة الصوت لديه، لكنه تناسى اعتبارات أخرى، وهى أنه قطع بالفعل طريقا اختاره من قبل، والسير فى عكس الاتجاه قد يأتى بالندم، لأنه سيكون أشبه بالجنون، فكيف له أن يأتى بالشىء ثم يأتى بنقيضه؟.

ما نود قوله هو أن العجوز بعد أن قطع شوطا كبيرا فى الغناء كمداح وقوال صعيدى، إذا به فجأة يقرر أن يغير جلده، ويسلك طريق الأغانى الشبابية التى كانت سائدة فى أواخر القرن الماضى، ساعده على ذلك اكتشافه لأغنية غناها شاب مغمور تمتلك مقومات النجاح، لكن الشاب غناها وسط مجتمع ضيق، وهى أغنية «أشكرك»، فالتقى بكاتبها وهو شاب اسمه خالد رضوان وحصل منه على حقوق إصدارها، وأصدرها بالفعل فى ألبوم يحمل اسمها، وغناها بالطريقة الشبابية المعروفة، بل أدخل عليها أيضا مفردات أجنبية.. فبدا كما لو ارتد على لونه الغنائى، وبدت الناس تنظر إليه على أنه فقد وقاره، لكن هذا لا يمنع بالطبع من أنه حقق بعض الانتشار.

ولتكتمل الصورة أشاع المقربون من العجوز شائعة مفادها أن هناك قصة حب تربطه بفنانة مصرية شهيرة ظلت كثيرا دون زواج، ولو حتى من طرفه هو فقط، بل ادعى البعض أنه تقدم لها طالبا يدها للزواج لكنها رفضته، فما كان منه إلا أن غنى هذه الأغنية لها.. وليتم إكمال الموضوع رتب لظهور ألبوم ثانى اسمه «أرفضك»، وخرجت الشائعات أيضا تقول إنه قرر علاج نفسه من عشق هذه الفنانة، والاقتصاص لكرامته بهذا الألبوم، ليكون بمثابة إعلان للثأر منها.

الغريب أن العجوز الذى غنى فى بدايته أغنية للشيخ إبراهيم الدسوقى ولى الله الصالح، كأحد المجاذيب، غنى فى آخر أيامه أغنية «اكتبلى تنازل عن قلبك واكتبلك شيك»، كما غنى «زلمكة فى البنزينة» وقيل إنها أغنية دعائية أصدرها ليروج بها لمشروع البنزينة التى أقامها فى بلدته نجع هلال بإدفو على طريق مصر أسوان، ولكن للقدر تصاريفه، حيث إن وفاته كانت فى حادث طريق أودى بحياته حين كان يستقل سيارته «الزلمكة» فى طريقه لإحياء أحد الأفراح.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حكم بيع وشراء العُملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية.. دار الإفتاء تجيب .. بوابة المساء الاخباري
التالى بسبب ضعف الإيرادات.. رفع فيلم عاشق من دور العرض في السينما .. بوابة المساء الاخباري