اللواء الدكتور وائل زكريا
اللواء الدكتور وائل زكريا
مع اقتراب موعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل، تزداد التساؤلات حول سياساته تجاه منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل دعمه الصريح لإسرائيل ورؤيته التي تعتمد على «سياسة الصفقات»، لطالما كانت منطقة الشرق الأوسط محوراً رئيسياً في الاستراتيجية الأمريكية، ولهذا فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير اهتمام العالم بأسره، فما الذي يريده ترامب من المنطقة؟ هل يسعى لإعادة ترتيب الأوراق بما يخدم رؤيته الشخصية، أم أنه يعمل لمصلحة الولايات المتحدة؟
منذ بداية رئاسته الأولى، أظهر ترامب انحيازاً غير مسبوق لصالح إسرائيل، ما تجسد في قرارات تاريخية مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة وصفها الكثيرون بأنها تحدٍ لحقوق الفلسطينيين والمجتمع الدولي، لم تكن هذه الخطوة مجرد تغير سياسي، بل كانت بمثابة إعلان صريح عن استراتيجية أمريكية تتجاهل تماماً حقوق الفلسطينيين وتضع دعم إسرائيل في المقدمة، هذه السياسات ترافقت مع عرض «صفقة القرن»، التي اعتبرت بمثابة حل شامل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث ركزت الصفقة على الجوانب الاقتصادية بشكل أكبر من الجوانب السياسية، ما أثار موجة غضب واسعة في العالم العربي والإسلامي، حيث اعتبرت العديد من الدول العربية والإسلامية أن هذه الصفقة تهدف إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي على حساب حقوق الفلسطينيين.
ترامب لم يقتصر دعمه لإسرائيل على الاعتراف بالقدس عاصمة لها، بل سعى إلى توسيع علاقات إسرائيل مع دول الخليج العربي، محاولاً استغلال هذه العلاقة لتعزيز الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وهو ما تجسد في اتفاقيات تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات والبحرين، ولكن، بالرغم من محاولاته، فقد ظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية عائقاً أمام تحقيق استقرار حقيقي في المنطقة.
فيما يتعلق بإيران، فقد كانت العدو الأول في أجندة ترامب منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، فقد انسحب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، وقام بفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران، بهدف شل اقتصادها وتقويض نفوذها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وكان ترامب يرى أن إيران تمثل التهديد الأكبر لاستقرار المنطقة وفقاً لرؤيته الخاصة، حيث سعى إلى تقويض دعم إيران للميليشيات المسلحة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ولكن، هذه السياسات لم تحقق النجاح الذي كان يطمح إليه ترامب، بل على العكس، دفعت إيران إلى تعزيز شراكاتها مع خصوم واشنطن التقليديين مثل روسيا والصين، مما ساهم في تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
أما بالنسبة لسياسة ترامب التي تعتمد على “الصفقات”، فقد كانت تتمثل في رؤية مفادها أن الشرق الأوسط ليس فقط ساحة لتحقيق السلام، بل هو سوق ضخمة لعقد الصفقات الاقتصادية والعسكرية التي تعزز من مصالح الولايات المتحدة، ومن خلال هذه السياسة، سعى ترامب إلى تعظيم الفوائد الاقتصادية لبلاده عبر توقيع صفقات تسليح بمليارات الدولارات مع دول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن «أمريكا لن تحمي أحداً مجاناً» وهذه السياسة كانت تهدف إلى ضمان استمرار تدفق النفط واستقرار أسعار الطاقة، فضلاً عن تعزيز الهيمنة الأمريكية على المنطقة من خلال دعم الأنظمة الحليفة مقابل صفقات اقتصادية وعسكرية ضخمة.
وبينما كانت السياسة الخارجية لترامب تهدف إلى تعزيز المصلحة الأمريكية من خلال ضمان استقرار أسواق الطاقة وتعظيم الفوائد الاقتصادية لبلاده، فإنها كانت تثير العديد من التوترات في المنطقة، ففي الوقت الذي استفادت فيه بعض الدول مثل إسرائيل ودول الخليج من هذه السياسات، كانت الدول الأخرى، مثل إيران وسوريا، تدفع ثمناً باهظاً لهذه السياسات، مما يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يظل السؤال مطروحاً: هل سيتبنى نهجاً مغايراً أم أنه سيستمر في سياساته السابقة التي ركزت على دعم إسرائيل ومحاصرة إيران؟ الشرق الأوسط بالنسبة له ليس مجرد منطقة جغرافية، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق أهدافه الاقتصادية وتعزيز مكانته كزعيم قادر على فرض هيمنته على العالم، ورغم ذلك، فإن سياساته أثارت الكثير من التوترات في المنطقة، حيث عمقت الانقسامات وأضعفت فرص تحقيق الاستقرار، خاصة في ظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية والتوترات المستمرة في العلاقات الأمريكية مع إيران.
في النهاية، وبينما يرى ترامب أن رؤية أمريكا للمنطقة يجب أن تتسم بالمصلحة الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء، فإن الواقع يشير إلى أن سياساته قد تكون قد أسهمت في تفاقم الأزمات وتعدد التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة، وبناءً على ذلك، ستظل دول المنطقة أمام تحدي كبير للحفاظ على مصالحها الوطنية وتحقيق توازن دقيق في علاقاتها الدولية، في وقت تتزايد فيه الضغوط الناتجة عن السياسات الأمريكية في ظل وجود إدارة ترامب، فهل ستتمكن الدول العربية من استغلال اللحظة لحماية أمنها القومي وتحقيق مصالح شعوبها، أم أن المنطقة ستظل رهينة لسياسات البيت الأبيض وأجندات ترامب التي قد تظل تطغى على جهود السلام والاستقرار؟