في مشهد تخيم عليه الدموع والآهات، جلست أم مكلومة على حافة الترعة الإبراهيمية، تتابع بقلق وحسرة جهود الغواصين الذين ينقبون عن فلذة كبدها الغائبة شريهان عثمان صدقي، إحدى ضحايا ميكروباص ديروط، التي ضحت بنفسها من أجل إنقاذ طفلتيها من الموت غرقا.
الأم المكلومة تجلس على شاطئ الترعة ودموعها تتساقط كالمطر وهي تهمس بصوت مبحوح: "اطلعي لولادك يا بنتي... يا رب طلعها".. كان الأمل ما يزال ينبض في قلب أم يواجه قسوة الواقع مأساوي.
لحظة الفداء الأخيرة
“شريهان” أم تحولت لحظة موتها إلى قصة عن التضحية الأمومية، كانت تستقل ميكروباص ديروط المنكوب مع ابنتيها، حين شعرت بانزلاقها نحو الخلف، في لحظة من الشجاعة الخالصة، ألقت بطفلتيها خارج السيارة، منقذةً حياتهما، بينما بقيت هي داخل العربة التي ابتلعها قاع الترعة.. في مشهد يجسد أسمى معاني التضحية، وشهادة حب خالدة من أم شجاعة لبناتها، رحلت شريهان ولكنها تركت وراءها فراغًا لا يملأه إلا الحزن العميق.
عمليات الانقاذ مستمرة
أصوات الغواصين وأجهزة الإنقاذ تتعالى في المكان، حيث أرسلت قوات الحماية المدنية فرقًا تضم 25 غواصًا لتمشيط مياه الترعة، ونجحت الجهود في انتشال السيارة وعدد من جثث الضحايا، لكن البحث ما يزال جاريًا عن جثة شريهان التي يرقد جسدها الغريق في مياة ترعة الإبراهيمية لليوم السابع على التوالي، وسط دعوات من العائلات وأصوات بكاء لا تنقطع بالعثور على جثمان الأم الشجاعة.
حزن يكسو المكان
المشهد كان يحمل ثقل الحزن على أكتاف الجميع، من أم تحتضن بناتها الناجيات في شكر صامت، إلى عائلات تحبس أنفاسها انتظارًا لخبر قد يعيد لهم شيئًا من الأمل، حتى الهواء كان ثقيلًا، مشبعًا بصمت الموت الذي يخيم على أرجاء المكان.
فاجعة رحيل شريهان لم تكتب نهايتها، فمازالت أسرتها تستغيث من أجل إخراج جثمانها، وهذا ما أكده صدقي عثمان، شقيق شريهان عثمان، حينما وجه نداءً حارًا إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ومحافظ أسيوط ومدير الأمن وكل رجال الإنقاذ النهري، بتكثيف عمليات البحث بدءًا من موقع الحادث بديروط وحتى كوبري المعاهدة، عسى أن ينجلي هذا الكابوس الذي يخيم على العائلة.
و قال صدقي: “نحن منتشرون على جميع الكباري، حتى ما بعد المكان الذي ظهر فيه جثمان الشهيدة دعاء شحاتة بمركز سمالوط بمحافظة المنيا، هذا الجهد المستمر استنزف الأقارب والجيران وأهالي القرية وكل من مد يد العون”.. كان التعب يبدو جليًا على كلماته، لكن تصميمه على إيجاد جثمان شقيقته كان أقوى من أي شعور آخر.
الأم الضحية بين الأحجار
وأضاف صدقي: “كثيرون قالوا إن شقيقتي ظهرت لهم في رؤى وأحلام، وأخبرتهم بأنها محتجزة بين الأحجار في ديروط. لذا، أناشد الأجهزة الأمنية السماح لي بإحضار غواص خاص، قد يساعدنا بطريقة مختلفة في العثور عليها”.
تضحيات قوات الإنقاذ
لم ينسَ صدقي أن يشيد بجهود قوات الإنقاذ النهري، قائلًا: "والله العظيم، والله العظيم، أعرف أن قوات الأمن عامةً، وقوات الإنقاذ النهري خاصةً، لم يقصروا، تعاملهم معنا كان في قمة الأدب والاحترام، لكن ربما يستطيع الغواص الخاص الذي أرغب بإحضاره أن يضيف شيئًا جديدًا، هذا لا ينقص من قدر أي جهد بذله فريق الإنقاذ وشرطة المسطحات المائية، ولكن قد يُسرع الأمر بإذن الله".
أم لم يغمض لها جفن
وختم حديثه بصوت اختنق بالدموع: “العثور على جثمان أختي سيكون راحة لي ولأمي التي لم يغمض لها جفن منذ اللحظات الأولى للحادث وحتى هذه اللحظة. هذا الحزن الذي يعصف بنا لا يهدأ، إلا بلمسة أخيرة من الرحمة، تعيد لنا بقايا روح شقيقتي التي رحلت”.
تحرك فوري من المسؤولين
وكان قبل أيام قد سقط ميكروباص محملا بالركاب داخل ترعة الإبراهيمية بديروط، وعلى الفور، هرعت القيادات الأمنية والمحلية إلى موقع الحادث، يقودهم اللواء وائل نصار، مدير أمن أسيوط. جرت معاينة الحادث الذي أظهر انزلاق السيارة رقم "6252 ي. ص. ج" في الترعة، بينما أعلنت السلطات خطة عاجلة للتعامل مع الكارثة.
كما قرر اللواء هشام أبو النصر، محافظ أسيوط، صرف تعويضات مالية عاجلة لأسر الضحايا، موجّهًا كل الأجهزة المعنية لتقديم الدعم اللازم للأسر المتضررة، سواء عبر إنهاء إجراءات دفن الموتى أو توفير الرعاية الاجتماعية والنفسية.