كان يوم السبت 7 من ديسمبر يومًا عاديًا في القصر الرئاسي بدمشق، حضر الرئيس بشار، وظل بمكتبه حتى وقت متأخر من مساء هذا اليوم، كان الرئيس من خلال متابعته يدرك أن الأوضاع باتت خطيرة، وأن جميع التقارير القادمة من الميادين تؤكد أن الجيش العربي السوري لم يعد قادرًا على المواجهة، وأن هناك ضباطًا وجنودًا تركوا ميدان المعارك التي لم تحدث، وتوجهوا إلى أماكن مجهولة، كان الكل على يقين أن روسيا غارقة في مستنقع أوكرانيا، ولن تستطيع أن تشارك في التصدي للإرهاب كما حدث في عام 2015-2016.
كما أن الضربات التي تلقاها حزب الله في لبنان تركت أثرًا سلبيًا عند دوائر الحكم في دمشق، بعد صدور تصريحات إيرانية في هذا الوقت على لسان وزير الخارجية الإيراني تقول: إن مصير الرئيس السوري بات غير معروف، كما أن دعوة الروس والإيرانيين والأمريكان والعراقيين وغيرهم من الدول طلبت سحب رعاياها من سوريا.
قرارات مشبوهة وراء انسحاب الجيش وفتح الأبواب أمام الميليشيات
- أدرك الجميع أن الأمر جد خطير، وأن الساعات المقبلة قد تحمل تطورات خطيرة، قد تؤدي إلى سقوط الدولة السورية في أيدي الميليشيات الإرهابية.
- كان الرئيس بشار قد بعث أفراد أسرته إلى موسكو مع بدء سقوط حلب في أيدي الميليشيات، حيث جرى ذلك سرًّا، ولم يعرف بذلك إلا عدد من المقربين من دائرته الخاصة، وفقًا لمصادر سورية عليمة.
- وفي يوم الخميس 6 من ديسمبر كان الرئيس السوري قد أدرك أن القوات التي وصلت إلى ريف حمص، حتمًا ستكمل طريقها إلى دمشق، كان أمامه في هذا الوقت محطة مهمة يمكنه التوجه إليها، روسيا، الإمارات، وإيران، فاستقر اختياره على موسكو. كان بشار قبلها قد تلقى اتصالات من أطراف عربية، وإقليمية للبحث في سبل حل الأزمة المتصاعدة.
- بدأ بشار في الترتيب مع قادة عسكريين روس للسفر سرًّا فجر الأحد 8 من ديسمبر، تم الاتفاق على أن يسافر من القاعدة العسكرية الروسية إلى موسكو مباشرة.
وكالة «رويترز» للأنباء، ونقلاً عن عدد من مساعدي بشار قالت: إنه اعتمد على خطة للخداع والتضليل مع أقاربه، وكبار المساعدين، كان يشد من همتهم، ويؤكد لهم أنه ليس أمامه من خيار سوى الصمود حتى لو استشهد.
وفي مساء ذات اليوم، واستمرارًا لخطة الخداع، جمع بشار في مقر وزارة الدفاع نحو 30 من قادة الجيش والمخابرات والشرطة، ووضع معهم خطة الصمود إذا ما نجحت الميليشيات في الوصول إلى دمشق، ووزع المهام عليهم جميعًا، بعض من حضروا هذا اللقاء قالوا: إن الرئيس بشار كان يتكلم بثقة بالغة، ولم يظهر عليه أي نوع من التوتر.
ووفقًا لوكالة «رويترز» فإن الأسد أبلغ الحاضرين في هذا الاجتماع أن الدعم العسكري الروسي والإيراني في الطريق، كما حث قائد القوات البرية على الصمود.
- كان هذا الاجتماع قاصرًا على تلك القيادات، ولم يكن رئيس الوزراء، أو حتى أيًا من المسئولين المدنيين على علم بهذا الاجتماع الذي أراد منه بشار تطمين الجميع، ولتضليلهم في نفس الوقت، وبعد انتهاء هذا الاجتماع عاد الرئيس الأسد إلى مكتبه، وقضى بعض الوقت، حتى وقت متأخر من هذا المساء، ثم بعد الانتهاء من عمله قال لمدير مكتبه الرئاسي إنه سيعود إلى منزله، لكنه لم يتوجه إلى المنزل، بل طلب من سائقه، ومجموعة صغيرة من حراسه التوجه إلى مطار القاعدة الروسية.
- قبلها كان بشار قد اتصل بمستشارته السياسية بثينة شعبان، وطلب منها الحضور إلى منزله لكتابة خطاب يتوجه به إلى الشعب في صباح الأحد 8 من ديسمبر، وحدد معها النقاط الهامة التي يجب أن يتضمنها الخطاب.
- لم يبلغ بشار أحدًا حتى أقرب الناس إليه، وأقصد شقيقه ماهر الأسد..
- كان هناك عدد من رجال الاستخبارات الروسية قد أنهوا الإجراءات الفورية في تكتم وسرية، وإمعانًا في الحذر جرى إلغاء الأجهزة التي تتيح تتبُع الطائرة، فقد انطلقت، ولا أحد يعرف وجهتها.
روسيا وإيران تتخليان عن الأسد وتتركانه وحيدًا في مواجهة الجميع
أين اختفى وزير الدفاع وكبار قادة الجيش؟
- نزل الرئيس بشار في وقت مبكر من صباح الأحد 8 من ديسمبر، وتم نقله على الفور في سرية تامة إلى مكان آمن، ولم يعلن عن وصوله إلا بعد مرور عدة ساعات، كان الكل يتساءل فيها: أين الرئيس؟
- كانت السيدة بثينة شعبان المستشار السياسي للرئيس قد أعدت الخطاب الذي سيلقيه الرئيس صباح اليوم، إلا أن الرئيس لم يحضر، احتار كبار المسئولين في الأمر، بينما كانت الميليشيات العسكرية تدق أبواب دمشق، وتلقي القبض على العديد من الشخصيات الهامة والمسئولة، احتلوا منزل بشار، والقصر الجمهوري، ووزارتي الداخلية والدفاع، لكن الرئيس كان في هذا الوقت يرقد على سريره في موسكو، بعدها أصدر الرئيس بوتين قرارًا يقضي بمنحه حق اللجوء السياسي.
كان الخبر صادمًا للجميع، تساءل المقربون: كيف يتركنا الرئيس، ويرحل دون أن يخطر أحدًا، أو يصطحب معه أيًا من كبار المسئولين، والذين هم مطلوبون من الميليشيات الإرهابية؟
- لكن الصدمة الأكبر أن الرئيس ترك الساحة ورحل، ولم يسلم القيادة إلى الجيش، بل تركها لأبو محمد الجولاني قائد الميليشيات، والذي اختار رفيقه في الجبهة محمد البشير صاحب المواقف المتطرفة، والقادم من إدلب لتبدأ سوريا عهدًا جديدًا تحت قيادة تنظيم لا يزال يصنف من الأمم المتحدة على أنه تنظيم إرهابي، وعلى يد قائد لهذا التنظيم أبو محمد الجولاني، والذي لا يزال مدرجًا على قائمة أخطر الإرهابيين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
- لماذا ترك بشار الساحة، وهو الذي كان دومًا يصف مَن يهرب بأنه جبان وخائن؟
- ولماذا لم يسلم القيادة لقائد عسكري يمكنه حماية الدولة وأمنها وسلامة مؤسساتها؟ لماذا ترك الساحة للميليشيات الإرهابية خالية، ليعيثوا فيها قتلاً وذبحًا وشنقًا وحرقًا، وليبدأوا عملية تصفية الحسابات مع عشرات الألوف من كبار المسئولين، ورجالات الأمن وقادة الجيوش والشرطة؟!
الأسئلة عديدة ومتعددة، لكن السؤال الأهم: لماذا لم يتصد الجيش العربي السوري؟ ومن الذي أعطاه الأوامر بالانسحاب من محافظة إلى أخرى؟ وعندما كان يتساءل الرئيس بشار لماذا الانسحاب دون إطلاق رصاصة واحدة، كان يقال له: إن الهجمة كبيرة ومن الأفضل لنا أن نترك لهم حلب، ثم بقية إدلب، ثم حماة، وعندما اشتد غضب الرئيس من ترك الساحة للميليشيات وحدها، قالوا له: إننا نسحب قواتنا من كل المناطق لنأتي بها إلى حمص حتى نستطيع الدفاع عن دمشق.
في هذه اللحظات أدرك الرئيس بشار أن هناك مؤامرة تحاك ضده، وأن المعلومات التي تقدم إليه مزيفة، وأن الميليشيات باتت على أبواب دمشق: حاول التواصل مع وزير الدفاع، ولم يتمكن.
أدرك أن شيئًا ما قد حدث، وأن كل ما جرى لم يكن طبيعيًا، فوجئ بالموقف الروسي والموقف الإيراني.. أدرك أن الكل قد تخلى عنه، وأن اتفاقات جانبية إقليمية، ودولية قد تمت على حسابه، وحساب بقائه في الحكم.
يتردد أن اتصالات قد جرت معه، وقالت له: أمامك أحد خيارين إما أن ترحل عن سوريا فورًا، وإما أن تلقى مصيرك على يد الميليشيات.
فجأة وجد بشار نفسه أمام خيار الرحيل، كان بإمكانه أن يبقى وأن يقاتل مع رجاله المخلصين، أن تتحول دمشق إلى ملحمة، لكنه حتى لم يستطع أن يسلم البلاد لأحد من قادته العسكريين، ترك الأوضاع كما هي ورحل إلى موسكو، وترك الميليشيات تحكم وتتحكم، وتعيث فسادًا في الأرض.
اقرأ أيضاً
ملك الأردن: استقرار سوريا مصلحة استراتيجية للدول العربية وللمنطقة بأسرهامصطفى بكري يكشف كواليس آخر لقاء له مع الرئيس بشار الأسد
عاجل.. الكرملين يعلن منح اللجوء لـ بشار الأسد وعائلته لدواع إنسانية