لاشك أنه ينبغي معرفة من هم الذين يأكلون النار في بطونهم كما وصفهم القرآن الكريم ؟، لاجتناب تلك الأفعال التي توجب هذا المصير ، خاصة وأنها عقوبة شديدة لا يمكن الاستهانة بها أو تجاهلها بأي حال من الأحوال ، لذا ينبغي الوقوف على حقيقة من هم الذين يأكلون النار في بطونهم كما وصفهم القرآن الكريم؟.
من هم الذين يأكلون النار؟
قال الدكتور سلامة داوود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن آيات القرآن الكريم تحتاج لفهم عميق لمعرفة الأسباب والنتائج، مشيرًا إلى أن القرآن أحيانًا يركز على السبب وراء الفعل، حيث يؤدي السبب إلى النتيجة التي تترتب عليه.
وأوضح " داوود" في إجابته عن سؤال : من هم الذين يأكلون النار في بطونهم كما وصفهم القرآن الكريم ؟، أن القرآن الكريم في العديد من المواضع يستخدم أسلوبًا بيانيًا دقيقًا يصف العواقب المترتبة على الأفعال.
واستشهد بما جاء في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا"، موضحًا أن الأكل هنا ليس بمعناه الحرفي وإنما هو تعبير عن ما يترتب على ظلم أموال اليتامى.
وأشار إلى أن الإنسان حين يأكل مال اليتيم هو لا يأكل مالًا ولا نقودًا، وإنما هو يشتري بها طعامًا وشرابًا وملابس وما شابه، لكن القرآن الكريم وصف ذلك بـ 'يأكلون في بطونهم نارًا' لتوضيح شدة العقوبة التي تنتظرهم.
ونبه إلى أن استخدام القرآن الكريم لكلمة "نار" في هذا السياق يمثل صورة بليغة في توضيح شدة العذاب الذي سيعانيه من يظلم اليتامى، فالقرآن لم يقتصر على القول "يأكلون في أفواههم نارًا"، بل قال "في بطونهم"، ليؤكد أن النار قد وصلت إلى داخلهم، وأن هذا العذاب موجه مباشرة إلى معدتهم، ما يعكس صورة شديدة القسوة.
وذكر مثالاً آخر في القرآن يتعلق بكتمان الحق، حيث قال: "الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلاً، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار"، مشددًا على أن من يحرفون الحقائق ويبدلون كلام الله من أجل مكاسب دنيوية، يعانون من عذاب أشد وأعظم.
وأفاد بأن العقوبات التي يذكرها القرآن للأفعال السيئة، مثل أكل مال اليتيم وكتمان الحق، تتدرج من الشدة إلى الأسوأ، حيث يقول: (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، موضحًا أن السعير هو نوع من النار التي تزداد اشتعالًا وتستعر أكثر، مما يعكس عاقبة أشد.
وأكد أن القرآن الكريم يدعونا إلى الالتزام بالحق وعدم الانحراف عنه، مبينًا أن تغيير الحقائق والتحريف لا يمكن أن يغير جوهر الحق أو الباطل، ولن يغير الزمان من حقيقة الحق، والباطل يبقى باطلًا دائمًا"، مشيرًا إلى أهمية التمسك بمبادئ الدين ورفض الانحرافات التي تؤدي إلى فساد كبير.
تفسير قوله إنما يأكلون في بطونهم نارا
ورد في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، أنه َقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عبيدةُ: أخبرنا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِالصَّمَدِ الْعَمِّيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْتَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قَالَ: انْطُلِقَ بِي إِلَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَثِيرٍ، رِجَالٍ، كُلُّ رجلٍ منهم لَهُ مِشْفَرَانِ كَمِشْفَرَيِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ مُوَكَّلٌ بِهِمْ رِجَالٌ يَفُكُّونَ لِحَاءَ أَحَدِهِمْ، ثُمَّ يُجَاءُ بِصَخْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَتُقْذَفُ فِي فِيِّ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَلَهُمْ خُوَارٌ وَصُرَاخٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا، إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا.
وورد أن المقصود أنَّ الواجبَ الحذر، المقصود الحذر من ظلم الأيتام، أما الخبر هذا فمتنه مُنكر، ولكن أموال اليتامى أمرها خطير، والواجب على مَن وليها أن يتَّقي الله فيها، وأن يحذر أكلها بالباطل، أو التَّعدي عليها، أو التَّساهل بها؛ لأنهم ضُعفاء، مساكين، ليس لهم ناصرٌ إلا الله تعالى، فالواجب الحذر من أموالهم إلا بحقٍّ؛ ولهذا قال سبحانه: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الإسراء:34]، وقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220].
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُبْعَثُ آكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهَبُ النَّارِ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ وَمِنْ مَسَامِعِهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ، يعرفه كلُّ مَن رآه بأكل مال اليتيم، وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بن مكرم: حدَّثنا يونسُ بن بُكير: حدَّثنا زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْقَوْمُ مِنْ قُبُورِهِمْ تَأَجَّجُ أَفْوَاهُهُمْ نَارًا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا الْآيَةَ [النساء:10]؟. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زُرعة، عن عقبة بن مكرم. وأخرجه ابنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُكْرَمٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : أُحَرِّجُ مَالَ الضَّعِيفَيْنِ: الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ أَيْ: أُوصيكم باجتناب مَالِهِمَا.
وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ طَرِيقِ عطاء بن السَّائب، عن سعيد بن جبير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا الْآيَةَ، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ الشَّيْءُ فيَحْبِسْ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فأنزل الله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، قَالَ: فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ، وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ.
معنى قوله سيصلون سعيرا
ورد في معنى قوله سيصلون سعيرا أي ويدخل النار حتى يصلى بحرها . وقرأ الحرميان وابن عامر والكسائي ( ويصلى ) بضم الياء وفتح الصاد ، وتشديد اللام ، كقوله تعالى : ثم الجحيم صلوه وقوله : وتصلية جحيم . الباقون ويصلى بفتح الياء مخففا ، فعل لازم غير متعد ; لقوله : إلا من هو صال الجحيم وقوله : يصلى النار الكبرى وقوله ثم إنهم لصالو الجحيم . وقراءة ثالثة رواها أبان عن عاصم وخارجة عن نافع وإسماعيل المكي عن ابن كثير ( ويصلى ) بضم الياء وإسكان الصاد وفتح اللام مخففا ; كما قرئ (وسيصلون ) بضم الياء ، وكذلك في ( الغاشية ) قد قرئ أيضا : تصلى نارا وهما لغتان صلى وأصلى ; كقوله : ( نزل وأنزل ) .