لقد سطع نجم الشيخ القارئ محمود البنا في سماء التلاوة القرآنية منذ أوائل القرن العشرين، حيث اشتهر بصوته العذب وأدائه الفريد الذي جذب الملايين من محبي القرآن الكريم، بفضل صوته الرخيم وقدرته الفائقة على تجسيد المعاني الربانية، فقد أصبح الشيخ البنا رمزًا من رموز الإبداع في فن التلاوة، وكان له الفضل في تجسيد جماليات النصوص القرآنية بطرق جعلت من الاستماع إلى صوته تجربة روحانية مميزة، وترك وراءه إرثًا عظيمًا من التلاوات التي أسرت القلوب وملأت الأرواح بالسكينة والإيمان.
تميز الشيخ البنا بأسلوبه الفريد في التلاوة والتجويد، الذي جمع بين الدقة في الأداء وعذوبة الصوت وخشوع القلب، فاستطاع أن يجسد معاني الآيات بأسلوب يلامس قلوب المستمعين وتجعل العيون تفيض دموعًا، فقد كانت تلاواته تصدح في أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي من خلال الإذاعات والشرائط الصوتية، وما زال صوته العذب يتردد في قلوب محبيه حتى اليوم، وفي ذكرى ميلاده، نجدد عهد الامتنان والوفاء لإرث سفير القرآن الكريم الشيخ محمود البنا ونتذكر تلاواته ونبذة عن حياته الذاخرة، تقديرًا للإبداع الذي أضفاه على ذكر الله الحكيم.
وُلد فضيلة القارئ الشيخ محمود علي البنا في 17 ديسمبر عام 1926، في قرية شبرا باص مركز شبين الكوم بالمنوفية، وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية على يد الشيخ موسى المنطاش، وأتم حفظه في الحادية عشرة، ثم انتقل إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدى، وتلقى القراءات فيها على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي.
لُقب البنا بـ"الطفل المعجزة"؛ إذ كان لديه ملكة تقليد كبار المشايخ خاصة الشيخ محمد رفعت صاحب الصوت الملائكي، كما كان متميزا في تقليد أصحاب القراءات المختلفة مثل الشيخ الشعشاعي ومحمد سلامة والسعودي.
توجه الشيخ إلى القاهرة عام 1945 وسريعا ما اشتهر وذاع صيته، ثم التحق الشيخ بالإذاعة المصرية عام 1948، وكانت أول قراءة له بالإذاعة في شهر ديسمبر من نفس العام.
تم اختياره بعد ذلك قارئا لمسجد عين الحياة في ختام الأربعينيات، ثم لمسجد الإمام الرفاعى في الخمسينيات، وانتقل للقراءة بالجامع الأحمدى في طنطا، وظل به حتى عام 1980، حيث تولى القراءة بمسجد الحسين حتى وفاته.
وترك للإذاعة ثروة هائلة من التسجيلات، إلى جانب المصحف المرتل الذي سجله عام 1967 والمصحف المجود في الإذاعة المصرية، والمصاحف المرتلة التي سجلها لإذاعات السعودية والإمارات.
زار الشيخ البنا العديد من دول العالم، وقرأ القرآن في الحرمين الشريفين والحرم القدسي ومعظم الدول العربية وزار العديد من دول أوروبا ومن ضمنها ألمانيا عام 1978، وكان الشيخ البنا من المناضلين من أجل إنشاء نقابة القراء، واختير نائبًا للنقيب عند إنشاء النقابة عام 1984.
بعد رحلة عطاء حافلة، انتقل الشيخ محمود علي البنا إلى رحمة الله في 3 من ذي القعدة 1405 هـ /20 يوليو 1985م، ودفن في ضريحه الملحق بمسجده بقريته شبرا باص، وقد منح الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك اسمه وسام العلوم والفنون عام 1990.
أخبار متعلقة :