أثارت قرارات وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف الأخيرة الخاصة بـ"العلوم الإنسانية"، ردود أفعال بين مؤيد ورافض.
قالت وحدة الدراسات الفلسفية والتأويلية، التابعة للمعهد العالمي للتجديد العربي: إن الواجب الفلسفي والأخلاقي يحتم علينا نحن الفلاسفة العرب أن نكون حريصون على بناء جيل جديد قادر على الإبداع والابتكار والتقدم لبناء الوطن والإنسانية جمعاء، وإن الدراسات العالمية لمهن المستقبل تضع الفلسفة أحد أهم عشر مهن وأعلاها أجرًا، لتحديد سياسات العلم والتقدم، والفلسفة لها دور في بناء المنظومة الرقمية، والذكاء الاصطناعي، إذ بدونها لا يمكن إبداع المعادلات الرياضية والفكرية العميقة، ولا يمكن بناء منطق للتطبيقات الكبرى المعقدة، ولا لتطوير منطق الحاسوب، لذلك إن الفلسفة والمنطق وعلم النفس والعلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية والأديان والتاريخ تعد من العلوم ذات الأهمية الكبرى في بناء العقل اليوم".
وأضافت في بيان له: "ولِما كنا قد عرفنا بمداولة قرارٍ وزاري بشأن نظام الدراسة والتقييم لطلاب مرحلة الثانوي العام، ابتداءً من العام الدراسي القادم (2024-2025)، والذي يبدو فيه التقليل من شأن الفلسفة وتهميشها في مراحل التدريس الثانوي، فإننا نهيب أن تقوموا المسألةَ وتعيدوا الاعتبار للفلسفة، وتفعيل دورها في التعلُّم والتثقيف وبناء الشخصية المبدعة المنتجة، إن مصر هذا البلد العظيم الذي فيه نبتت بذرة الفلسفة الأولى، حيث الحضارة الفرعونية الأولى التي ابتدأت التفكير الكوني بالخلق والمصير، وكان الإنسانُ المصريُّ مشغولًا بكتابة العلاقة بين الأرض والسماء، وكانت مصرُ كلمةُ الفهم الأولى لأخلاقية العيش الكريم في هذا العالم، مصرُ التي ألهمت اليونانَ فلسفةً تحاكي مفهوم المدينة الحاضرة، لتكون الحياةُ سياسةَ عدالةٍ وانفعالَ تقدمٍ وحداثة وتجديد في كل آن، مصرُ الدولةُ الأولى بالقوانين المكينـة والنُّظـُـم التي أَرْسَــت الفهمَ العلميَّ للعلاقة بين الإنسان والأشياء، هندسةٌ ابتدأت معالمُها على ضفاف النيل الخالد، تمزج بين مخيال الفرد وتطلعات الجماعة والدهشة الدائمة التي تولِّد الإبداع والبحث الدائم عن الحقيقة".
وتابعت: "إن مصرَ انبعثت فيها الفلسفة العربية في العصر الحديث، حيث رجالات النهضة الذين قرروا معاودة الوجود العربي الفاعل في الكون؛ من جمال الدين الأفغاني والطهطاوي ومحمد عبده وفرح أنطون وشبلي شميل وطه حسين وغيرهم الكثير، مصرُ هذه هي ابتداء الأدب العربي المعاصر وحركة الترجمة والفلسفة العربية المعاصرة، من عبد الرحمن بدوي إلى إمام عبد الفتاح إمام وزكي نجيب محمود ويوسف كرم ويوسف زيدان مصطفى عبد الرازق مصطفى النشار محمود أمين العالم وعبد الغفار مكاوي ومحمد أبو ريدة وتوفيق الطويل ومحمد ثابت الفندي والقائمة تطول من المعاصرين والنخب الحية الفاعلة المؤثرة عربيًا ودوليًا، وهي التاريخُ الذي أصرَّ على الكينونة الحرة للإنسان في هذا العالم، فكان التأريخ عملًا لكي تسكنَ الأمةُ في الزمان، فيبقى الإنسانُ مهجوسًا بالمستقبل، مصرُ هي الكلمة والخطاب والأغنية والجمهور والنخبة، نعم هي كل هذا، لأنها تمثِّل الثقل الديموغرافي النشط في دنيا العرب، فإذا تحركت النخبة المصرية يتلاقاها جمهورٌ يثق بها ويحملها في الآفاق، وإذا غنَّت مصرُ حضر الشعرُ وعجَّ ديوان العرب بالمعاني والدلالات، وكم نحن في حاجةٍ إلى تجديد المعاني والمفاهيم في بلادنا لننهض بالإنسان، ثم إن كل الحروب والسياسات التي تتحكم بالعالم هي نتاج الفلسفات الكبرى في الوجود، وهنا نسأل، ألا يتطلّب الحفاظ على الأمن القومي المصري ودور مصر الريادي عربيًّا وعالميًّا بناء منظومة فكرية وسياسية وإدارية متينة للدولة؟ هل تقوم دولة بلا مفكرين أشدَّاء؟! هذا ما لا تحققه السذاجةَ والسطحيةَ والبساطة في عقول الناس. ودولة بحجم مصر، عمرها ستة آلاف سنة هي المنبع الحقيقي لكل فكرٍ حرٍّ قادر على أن يحكم سياسة النظام العالمي، ويطوِّع كل النظريات التي تحكم الاقتصاد والسياسة لتهتدي بأصول فلسفة الحق والعدالة والخير والصلاح".
واستطرد البيان: "ونسأل أيضًا، لماذا مطلوبٌ من الشباب أن لا يتعبوا في الفهم وفي عَرك الأفكار وفي البحث والتنقيب والاشتغال المضني في الدرس والتحصيل؟ هل إبعاد الفرد عن التفكير الجدِّي بالتغيير والتجديد والتحرر والبناء والانشغال بالشأن العام يحصِّنُ المجتمع؟، إننا ومن منطلق الحرص والمسؤولية والعمل معًا يدًا بيد، نرى أن نتشارك في الوعي والتخطيط لكيفية إشراك الفرد في مسؤولية أمن وسلامة الوطن، وأن نبني معًا أسس الديمقراطية والحرية اللتان لا يمكن للإنسان أن يتخلى عن النضال الدائم في سبيلهما. وإن كل ابتداءٍ جديد يبدأ من الذات الحرة المفكرة، فلا يمكن أن نباعد بين العمل والحرية، بما هما قيمتان أساسيتان في حياة الإنسان، وبناء على ما تقدَّم،نرجو النظر في مسودة القرار، والإنصات إلى صوت الضمير الفلسفي المستقل الذي يخرج من أقلام هذه الذوات الحرة التي تصنعها العلوم الإنسانية، واستيعاب أثرها الإيجابي في بناء الوطن، وحبذا لو تسعى وزارة التربية والتعليم الموقرة إلى عقد مؤتمر علميٍّ تربوي أكاديمي موجه، هدفه الأساس تطوير مناهج التدريس للمواد الأدبية في المدارس، وأن تدرس الخطط إمكان الربط بين العلم وسوق العمل؛ وهذا ما تؤمنه الاستشارة الفلسفية، كما في كل أنحاء دول العالم المتقدمة. ومصرُ تزخر بهذه الطاقات الاستشارية الفاعلة وبالروح الخلَّاقة في كل حين، إن العناية بالفلسفة هي بناء للشعور بالانتماء الوطني والانتماء الحر للإنسانية، وهذا ما يقلل الفساد والتطرُّف والمثالب والسقطات الكبرى في سيرورة الشعوب والدول، ويؤسس للأوطان المتقدمة التي تواكب العلوم الراهنة، نعم، إن مصر جديرة بالاشتراك في صناعة العلم الحديث، فالعيش في زمان الذكاء الاصطناعي يستدعي فلسفةً بمستوى هذا الوجود التقني الجديد، ومن حق الشباب الانشغال الحثيث بالمستقبل، وتعقُّل الحاضر لضمان الاشتراك في رؤية العالم، وتأمين الحياة الهنيئة والعيش الحر الإبداعي الكريم".
كما رفضت الدكتورة غادة عبدالرحيم أستاذ علم النفس التربوي المساعد بجامعة القاهرة، تهميش مواد علم النفس والفلسفة كما جاء في قرارات التربية والتعليم الأخيرة الخاصة بإعادة هيكلة الثانوية العامة، معللة ذلك بأن تلك المواد هي التي تستكمل بناء شخصية الإنسان وهو ما تستهدفه الدولة من خلال إستراتيجية بناء الإنسان وتنمية الموارد البشرية.
وقالت إن الدولة المصرية تولي محور "التنمية البشرية"، اهتماما بالغا وتعتبر أن هذا المشروع ضمانة رئيسية لبناء الإنسان المصري، في ضوء ما تضمنته "رؤية مصر "2030، وما جاء في مخرجات "الحوار الوطني"، وما تضمنته الاستراتيجيات الوطنية، والتي تتضمن محاور لتعزيز أهداف التنمية البشرية في مصر، منها بناء الإنسان المصري.
وتابعت: "الفلسفة وعلم النفس والتفكير النقدي، كل هذا يشكل عقول ووجدان الأجيال وتدرس وتطبق في بعض الجامعات، فكيف يفاجأ بها الطالب في المرحلة الجامعية، بدلا من يمر بها تدريجيا ويتعرف على نظريات الفلسفة والمنطق، وكيف نلغي نحن مادة مثل الجيولوجيا، والعالم بأسره يعاني من ملفات ساخنة مثل تغير المناخ ؟!"
أخبار متعلقة :