بوابة المساء الإخباري

الكاتب والمفكر والروائي محمد داوود لـ«البوابة نيوز»: المثقف الرجعي يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية . المساء الاخباري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

محمد داوود كاتب ومفكر مصرى وروائى يحارب بقوة من أجل نشر الحداثة والعلمانية، صدرت له روايات: قف على قبري شويا، والسما والعمى، وفؤاد فؤاد، وأمنا الغولة، وبار أم الخير، وصخرة بيتهوفن، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان: نصف كيلو عدس أصفر، فضلًا عن مقالات ودراسات نشرت فى الدوريات  والصحف ومواقع الإنترنت المختلفة.. ومؤخرا شن الدكتور محمد حملة على المثقف الرجعي. 

وحذر من توحش الرجعية التى تلتهم الواقع قطعة قطعة، وأكد أن هناك كثيرين يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون فى ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهى إليه أى إخوانى صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخوانى إن كان يصل للمراد الرجعى ، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية. 

عن هذه النوعية من المثقفين وخطورتهم دار هذا الحوار لـ “البوابة نيوز”..

 محمد داوود: المثقف الرجعى يستغل الرطانة الأكاديمية لخدمة الأفكار الإخوانية


■ كنت أول من أثار قضية المثقف الرجعي، فما تعريفك للمثقف الرجعي؟

 هو المثقف الذى يدعم الرجعية الدينية، هناك قلة لديها القدرة على التبجح بتبرير مواقفها بنصوص دينية صريحة، لكن الفئة الأخطر من المثقفين تتقنع بالرطانة التى قد تكون أكاديمية، تصدر فى الواجهة خطابًا يبدو عقلانيًا، وتنتهى دائمًا فى مواقفها إلى تحقيق المرادات الدينية الرجعية، فيدعمون الهيمنة الدينية الرجعية على العقل والحياة.
بهذا هم يقدمون قشرة، مجرد طلاء، أو ظاهر عقلانى لجوهر خرافى لا عقلاني، وعند مواجهتهم ينكرون؛ لأنهم غالبًا يفعلون ذلك بدوافع عميقة نتيجة التأسيس والتلقين منذ الصغر فى واقع عليه هيمنة دينية رجعية صاغت مناهج التعليم والثقافة بل والعادات والتقاليد واللغة، ضمن استلابها الشامل للعقل والوجدان فى مصر ١٤٠٠ سنة متصلة.
من هنا اقترحت تسميتهم مثقفى الحُشاشة الدينية (بضم الحاء)؛ حيث تكون "الحوشاشة" هى الداخل العميق المؤثر بقوة ولكن دون أن يرى، ولتوضيح معنى الحُشاشة، نستعيد قول الشاعر:
يا من هواه أعزه وأذلني
كيف السبيل إلى وصالك دلني.
يا باخلاً بالوصل أنت قتلتني
واصلتنى حتى ملكت حُشاشتي
ورجعت من بعد الوصال هجرتني


■ كيف تجتمع الثقافة بما تعنيه من حداثة مع الرجعية؟

 قد يجرنا هذا السؤال إلى تساؤلات أخرى تدور حول إجابتها خلافات كثيرة مثل: من المثقف؟ ومن المتعلم؟ وما الفارق بينهما؟.
ومن دون الخوض فى كثير من التفاصيل يمكن القول إن المتعلم هو الذى حصل على شهادة تثبت أنه يقرأ ويكتب، وقد يكون حاصلًا على شهادة جامعية، لكن هذا لا يعنى أنه مثقف، بل هو فقط متعلم.
أما المثقف، فهو شخص لديه من الإدراك ما يكفى لفهم محيطه، ويستطيع تحليل معطيات الواقع، والأصل أنه ربما يكون ممن لم ينالوا حظًا وافرًا من التعليم، لكن الغالب فى مصر أن المثقفين متعلمون، ولديهم شهادات جامعية، الإشكال الكبير أن التعليم عندنا مستلب رجعيًا، وينتج مجندين فى خدمة الهيمنة الدينية الرجعية على الحياة.
ومن هنا تنشأ مفارقة المثقف الذى يقع فى صراع بين ما تلقنه وتعلمه وشكل حُشاشته من جهة، وما أدركه بالاطلاع وبالتجربة ومن خلال شروط الواقع من جهة أخرى، ويحل ذلك الصراع بأن يخدم الحُشاشة ويطمئنها بالوصول للمراد الرجعي، دون المرور بـ"قال الله قال الرسول"؛ حيث إنه من غير المنطقى تأسيس المواقف على تبريرات دينية صريحة من شخص متعلم ومثقف ليس شيخًا فى الظاهر. 
كثيرون مثلًا يقولون إنهم ليسوا من الإخوان ولا يحترمون الفكر الإخواني، ولعلهم يصدقون ذلك بالفعل، لكنهم دائمًا ينتهون لما ينتهى إليه أى إخوانى صريح. وبذلك قد نشبه الأمر بأن الإخوانى إن كان يصل للمراد الرجعى فوق بعير، فمثقف الحُشاشة الدينية يصل لذات نفس المكان باستعمال سيارة حديثة، بذلك يوهمنا ويوهم نفسه كذلك أنه ليس رجعيًا ولا يدعم الرجعية الدينية. 


■ هل هى خلطة مصرية أم ظاهرة عالمية وعربية؟

 أظن مثقف الحُشاشة الدينية ظاهرة مصرية أساسًا، مع التسليم بأن هذا ظن ضعيف وحظه من الإصابة قليل لأنى لم أطلع على كل التجارب فى العالم كله. لكننا نعلم أن هناك عالميًا أشكالًا مختلفة من دعم الرجعية الدينية، أو لنقل الخرافة العربية القديمة، بأسباب ودوافع كثيرة كما يفعل كثير من الأطياف وفئات فى اليسار الغربي.


■ كيف يستطيع القارئ أن ينجو من فخ المثقف الرجعي؟

 هذا صعب، لكن فى العموم المراد الدينى الرجعى معروف من كل القضايا، ولكل إنسان بروفايل فكري، يعنى صورة كلية تجمع مجمل مواقفه واختياراته وقراراته.
عندما نجد أن ذلك المثقف ينتهى عادة -وربما دائمًا- لتحقيق المراد الدينى الرجعي، فهو داعم للرجعية الدينية حتى ولو لم يقل "قال الله قال الرسول"، ولو كان غير ملتزم طقسيًا أو عقائديًا، بل لو كان مختلفًا فى العقيدة.


■ إذا اتخذنا الدكتور خالد فهمى نموذجا لماذا تحكم عليه بكونه مثقفا رجعيا وما أدلتك على ذلك؟

 فى البداية لاحظت الظاهرة أن كثيرًا من المثقفين يدعمون الرجعية الدينية ربما بدون وعي، وحاولت أن أجد تفسيرًا مناسبًا، اقترحت أنهم يحلون الصراع الداخلى أو التنافر المعرفى بين التلقين التأسيسى أو التنشئة على مفاهيم وقوالب تفكير تحتية دينية رجعية، يعنى "حُشاشة" دينية من جهة، واطلاع وواقع وتجارب متناقضة مع تلك المفاهيم من جهة أخرى.
واجهت صعوبة كبيرة فى شرح الفكرة؛ ربما لأنها مجردة؛ وكنت أتجنب ذكر أمثلة فى البداية، ثم فكرت فى التغلب على تلك الصعوبة بتجسيد اقتراحى فى ثلاثة نماذج معروفة كأمثلة تطبيقية، تناولت أفكارهم ومواقفهم واجتهدت فى إسقاط الأقنعة عنها؛ للكشف عن جوهرها الدينى الرجعي.
من تلك النماذج دكتور خالد فهمي، تناولت مؤلفاته الرئيسة بالنقد والتحليل، حاولت الكشف عما وراء الرطانة والزخرفة الأكاديمية من التماهى مع المراد الرجعي، مثلًا فى التعاطف غير العادى مع الدولة العثمانية واحتلالها لمصر، والكراهية الشديدة للحداثة، والغرب تحت عنوان ظنى هو محض رطانة يقال لها رفض المركزية الأوروبية.
وكذلك كراهية تجربة الدولة الحديثة فى مصر لدرجة شيطنتها هى ومؤسسها محمد علي. أصدقاء ومفكرون آخرون شاركونى العمل مثل سعيد شعيب ومؤمن سلام. 
ربما ينبغى هنا التأكيد على أن للجميع كل الاحترام على المستوى الشخصي، وقد ابتعدتُ دائمًا عن التناول الشخصي، المسألة هى الأفكار، ورغم ذلك فقد غضب كثير من المثقفين، وتناولونى بشكل شخصي.
بما يشير لعجزهم عن قبول الاختلاف، وخضوعهم لقوالب تفكير دينية رجعية تميل للشخصنة فى الخلافات الفكرية، لعلهم تألموا من اقتراحى عن الحُشاشة الدينية؛ لأن لديهم مثلها، بعضهم أصدقاء للدكتور خالد.
ربما يجاملونه بمنطق الشلة، وبعضهم يتوقعون منا أن نتعامل معه مثلهم كصنم فوق النقد. وشارك فى استهدافى بعض من أبناء اليسار الرجعي، أو من تكونت عقولهم فى ظل هيمنة قيادات يسارية رجعية لعقود طويلة على الخطاب الثقافى الإبداعى والنقدى فى مصر.


■ كيف يتوافق ذلك مع ما يقدمه من شكل علمى أكاديمي؟

 على الدكتور خالد فهمى نفسه أن يجيب عن هذا التساؤل، هذا إن امتلك شجاعة مصارحة الذات، إنه يفرض توجهاته الأيديولوجية الخاصة على ما يقدمه كأبحاث أكاديمية يفترض قيامها على مناهج علمية.
هذا الفرض الأيديولوجى المسبق على البحث يطيح بعلمية المنهج. من أراد عرض وجهة نظره فيمكنه كتابة مقال رأى كما أفعل شخصيًا. وفى لقاء معه فى النت قال إنه منحاز، ولا يوجد ما يسمى الموضوعية.
وفى ظنى هو مخطئ فى فهمه للموضوعية فى البحث العلمي. العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلوم الاجتماع مختلفة عن العلوم الطبيعية مثل الرياضيات والفيزياء، نعم قد لا يستطيع الباحث فى العلوم الإنسانية التخلص من انحيازاته التى قد ترتبط بتكوينه وتلك أشياء لا يد له فيها.
ونحن لا نطلب المستحيل، ولا نفترض أن يكون مثاليًا خاليًا من كل خطأ وعيب، الموضوعية غير موجودة بالفعل بشكل كامل فى غير العلوم الطبيعية، لكن يظل بالإمكان أن يترفع الباحث عن الفرض القسرى والمتعمد على بحثه.
ألا يفعل كما يفعل دكتور خالد فهمى حين يخلط الرؤيوى بالمعرفى مع إخضاع المعرفى للرؤيوي، فيقوم -مثلًا- بانتقاء الوثائق والمواقف التاريخية التى توافق هواه الأيديولوجي، ثم يقوم بقراءتها بشكل تعسفى لكى توافق ذلك الأيديولوجي. 


■ ما خطورة هذا النوع من الثقافة؟

 نواجه فى مصر تغولًا للخرافة الأعرابية القديمة، وتزايدًا فى هيمنتها على العقل والتهامها للحياة. هذه الخرافة فى عداء مع الحداثة وكل تمثلات العقل فى الواقع، خاصة فكرة الدولة الحديثة والغرب والعلم.
الخطر أن ذلك الشخص الموصوف بالمثقف يسخَّر إمكاناته فى إعادة إنتاج الرجعية أى مفاهيم الخرافة العربية القديمة وتصوراتها ومراداتها، مع تسويغ مراراتها، وضلالاتها، وتزويقها، وتغليفها، وطلائها بقشرة تبدو عقلية، وتسويقها بالمغالطات المنطقية، والمراوغة، والحيل البلاغية، والرطانة. 
الخطورة هى أننا نفقد الوعى والثقافة يعنى الأداة الرئيسية التى ينبغى أن تكون معنا للخلاص والخروج من المأزق التاريخى الذى نواجهه، وتصبح تلك الأداة -بفعل مثقفى الحشاشة الدينية- ضدنا فى مواجهة الخرافة التى ضمن عدائها للحداثة وتمثلاتها هى تعادى الفن والمرأة والحضارة بل والإنسانية كلها.


■ هل كما نجحت الرجعية الأصولية فى اقتحام العلوم  الإنسانية، نجحت أيضًا فى اقتحام المجالات الإبداعية من قص وشعر ورواية؟

 الرجعية تلتهم الواقع قطعة قطعة، وقد استطاعت التهام الجزء الأكبر منه، وما زالت تنشط فى ذلك، وقد بلغت حد إعادة إنتاج نفسها من خلال منصات مرفوضة فى الفكر الرجعى أصلًا مثل الفن، وقد تجد من الأعمال الفنية ما يدعم الخرافة والعربية القديمة بشكل مباشر وغير مباشر، ووصل الأمر للتغول على مجالات النقد والإبداع الأدبى شعرًا ونثرًا.
وحين تلقى نظرة على قوائم الأكثر مبيعا تجد من أبرزها روايات بعضها كتبه متطرفون وأعضاء فى أشكال تنظيمية كالإخوان، وقد تجد منقبات يكتبن روايات يظهرن فيها فتى الأحلام المنتظر سلفى يقوم الليل ويصل الرحم وملتح، إلى آخر الصفات التى تعرفها عن النموذج المطلوب المراد رجعيًا للإنسان الذى يخاصم اللحظة ويعيش اغترابًا خاصًا كأنه قام للتو من رمال ماضى الصحراء العربية. 


■ فى رأيك لماذا سار بعض المثقفين اليساريين سندا ومعاونا للتيار الإسلامي؟

هذا مبحث كبير، هناك فيما يبدو أسس أو أرضية تجمع الفريقين. منذ بدأ الغزو العربى فى حوالى ٦٤٠ ميلادية بدأ تكوين المثل الأعلى وتشكيل جهاز الرؤية الحالى للحياة فى مصر، كلنا ننشأ فى تلك الأرضية المستلبة رجعيًا من قديم.
وهنالك مشتركات تجمع بين الفكر الدينى الرجعى والفكر اليسارى (ذو التوجه الرجعى أيضًا). أولها الكراهية، كراهية المختلف رجعيًا والكراهية الطبقية يساريًا، هنالك فى الرجعية ميل لصالح الفقراء حيث إنهم الأسهل فى التجنيد للغزو الذى يقوم عليه الاقتصاد فى التأسيس الرجعي.
هذا مع تشكيل ذهنية تسول يقابلها فكرة الاستحقاق اليساري، كذلك كلا الفكرين له تركيبة دوجمائية مغلقة، تسعى لتحقيق الجنة على الأرض من خلال تطبيق نموذج ذهنى مثالى انطلاقًا من تلك الدوجما، هذا تشابه بنيوى فى التفكير، يسهل التلاقي، وإن اختلف الموضوع.
هناك تصور خطى للتاريخ فى اتجاه تحقيق الجنة الموعودة، إما بتطبيق ما يقال له شرع الله أو الحتمية التاريخية بانتصار البروليتاريا، والفريقان لديهما التوجه الأممى المعادى لفكرة الوطن أو الدولة الوطنية الحديثة.
هذا يقال له فى الرجعية الدينية بالتعبير الإخوانى أستاذية العالم، كما يجمع الفكرين القابلية للتشكل التنظيمى فى الواقع، ويجتمع الفريقان كذلك على الشمولية وعداء الفردية، وكراهية الغرب وتجربته الحداثية.

أخبار متعلقة :