بوابة المساء الإخباري

ألبير قصيري.. حياة رافضة لأي قيود المساء الاخباري ..

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تحل اليوم الأحد ذكرى ميلاد واحد من الأدباء القلائل الذين تناولوا في كتاباتهم حياة الفقراء والمهمشين في مصر، أنه ألبير قصيري، والذي لقب أيضا بفولتير النيل.
فعلى مقاهي باريس، جلس ألبير قصيري بشخصيته الساحرة وابتسامته الساخرة، وتربع على عرش الفلاسفة والمتأملين ،فعُرف بلقب "فولتير النيل"، إذ كان واحدًا من القلائل الذين جعلوا من "حياة المهمشين" قضيته الأدبية، ورسم ملامحها بمزيج من الفلسفة والكسل والسخرية العميقة. 

ولد قصيري في مصر، وتربى في أحياء القاهرة القديمة، وبدأ الكتابة بالفرنسية منذ كان في العاشرة من عمره ، لم يتبع المسار التقليدي الذي يسلكه الكتّاب للبحث عن الشهرة أو التأثير السياسي، بل كان يكتب ليحكي ما لم يره الناس، ليحمل صوت البسطاء إلى العالم. أعماله كانت مدهشة لأنها ببساطة لم تكن تبحث عن جمهور بعينه، بل كانت صوتًا حيًا ينقل ما يجري في أزقة القاهرة المزدحمة وتفاصيل حياة أناس ضاعت قصصهم وسط ضجيج المدينة.

ألبير قصيري لم يكن كاتبا عاديا، بل كان صاحب فلسفة فريدة في "الكسل"، إذ لم يكن يرى فيه سلبية، بل اعتبره فنًا يعبر عن رفض للسباق المحموم نحو المال والنجاح فعاش قصيري في مقهى "كافيه دو فلور" الباريسي، وسط رواد الأدب الفرنسي مثل جان بول سارتر وهنري ميلر، حيث قضى سنوات يتأمل الناس، يتحدث قليلا، ويكتب كثيرا، كانت فكرته عن "الكسل" تعبيرا عن السخرية من الحياة العصرية، إذ آمن بأن الكسل هو الطريق الأفضل للتأمل والهدوء، وهو ما جعله يرفض أن يكون أسيرًا لطموحات لا تهمه.

كانت روايته "شحاذون ونبلاء" واحدة من أعظم أعماله، وتجسيدا لفلسفته في العيش بلا طموح أو أهداف فتحكي الرواية عن ثلاثة مشردين في شوارع القاهرة، يختارون العيش على هامش المجتمع، ويرفضون الالتزام بأي قواعد، ويصنعون لأنفسهم عالمًا لا يعرف القيد ولا القيود. 

هؤلاء الشخصيات لا تسعى لأي نوع من النجاح، بل تسخر من كل القيم المادية والاجتماعية، كانت هذه الرواية بمثابة صرخة ضد النظام المجتمعي، إذ يضع قصيري أبطالها في مواجهة قاسية مع المجتمع، محاولًا الكشف عن جانب من الحياة حيث الحرية تتجاوز كل القيود.

وفي إحدى أبرز مشاهد الرواية، يقوم أحد أبطالها بالاعتراف بجريمة قتل لم يقترفها، في إشارة رمزية إلى الرغبة في التحرر من الوجود ذاته، وكأن قصيري يقول إن التمرد على المجتمع ليس فقط رفضًا للقوانين، بل هو تحدٍ لكل معايير الحياة التي يفرضها المجتمع على أفراده.

حصل قصيري على تقدير عالمي، إذ نال جوائز عديدة أبرزها جائزة الأكاديمية الفرنسية للفرنكوفونية عام 1990، وجائزة أوديبرتي عام 1995، وجائزة البحر المتوسط عام 2000، وجائزة بوسيتون لجمعية الأدباء عام 2005، وغيرها. ومع ذلك، بقي قصيري مخلصًا لفلسفته، فلم يتغير أو يحاول تقديم نفسه للعالم كنجم أدبي، بل استمر في حياته الهادئة بعيدًا عن الأضواء.

أدب الفقراء وحكاياتهم التي لن تُنسى

كتب ألبير قصيري عن عالم المهمشين والفقراء والمشردين، ففي رواياته تجد اللغة  البسيطة والسهلة التي يذر من خلالها ن تفاصيل الحياة اليومية، وشخصيات تتميز ببراءة تأسر القلوب، لكنه في نفس الوقت يبرز نزعاتهم نحو الحرية واللامبالاة فأعماله هي مزيج من التأمل والسخرية والنقد العميق للمجتمع، وقدرة على تقديم حكايات بسيطة بمعاني عميقة.

 ترك ألبير قصيري إرثا أدبيا يخلد حياة الفقراء والمهمشين، الذين أصرّ على نقل أصواتهم إلى العالم، ليظل حاضرا بين قرائه حتى اليوم.

أخبار متعلقة :