في صمت الليل، حيث تهدأ الأصوات وتخفت الأضواء، يبدأ العمل الحقيقي. هناك، بعيدًا عن الأعين، تُبنى العزائم وتُصقل الأرواح، وتمتزج الأحلام بعرق الجهد وصبر الانتظار.. العمل في صمت، بعيدًا عن ضجيج العالم، هو لغة العظماء؛ لغة لا يفهمها إلا من عرف معنى الاجتهاد والتركيز. وفي كل خطوة، يظل القلب معلَّقًا بأمل خفي، ذلك الأمل الذي ينبع من الثقة بتوفيق الله. فالنجاح ليس مجرد حصاد جهد، بل هو ثمرة اجتهاد عميق يُبارَك برعايةٍ من الله، فيُزهر العمل ويعلو، في لحظة لا يراها إلا من غرس بذوره في أعماق الصمت.
هذه المقدمة تلخص ما أريد أن أتحدث فيه اليوم، فالعمل والاجتهاد والسعي الدائم لتحقيق الهدف لا يأت بالصدفة، حتى لو سخر منك الجميع.. فبعد أن تنجح تتحول السخرية إلى إعجاب لافت.. ففي الفيلم الكوميدي "أونكل زيزو حبيبي"، قدم النجم محمد صبحي شخصية شاب بسيط، وديع، تلاحقه نظرات التقليل والاستهزاء، لكنه يحاول جاهدًا أن يكون قويًا وجريئًا. في لحظة فارقة، وبمساعدة حقنة "الديك لهيطة" السحرية، تحوّل زيزو من شابٍ عادي إلى بطلٍ يمتلك قوة خارقة وجسارة غير مسبوقة ليصبح هدافًا في كرة القدم، ما أكسبه حب الناس واحترامهم، ليصبح رمزًا للقوة والشجاعة بعد أن كان مجرد إنسان خجول يعيش على الهامش.
وهكذا، يشبه مسار زيزو في تحولاته الشخصية، إلى حد بعيد، تجربة طاهر محمد طاهر، لاعب الأهلي، الذي مرّ بفترة كان فيها غير مرغوب فيه، فالبعض وصفه بأنه لا يمتلك الكفاءة الكافية لتمثيل الأهلي، واعتقد الكثيرون أنه لن يضيف شيئًا للنادي الكبير.
تعرّض طاهر لموجة من الانتقادات، ومرت عليه لحظات شكّكت حتى في مستقبله الكروي.. بدا وكأنه يفتقر لتلك "الحقنة السحرية" التي ستمنحه القوة والإبداع، وتجعله محط أنظار الجماهير ومحبتهم.
لكن الفرق هنا أن طاهر لم يحتج لحقنة سحرية.. بل اعتمد على شيء أكثر صدقًا وقوة، الصمت والإصرار والعمل الشاق.. لم يكن التحول في شخصيته ناتجًا عن قوة خارجية، بل نتيجة لتدريبات مكثفة وإرادة صلبة، وبدلًا من "حقنة الديك لهيطة" السحرية، كانت طاقة طاهر تنبع من داخله، من عزيمته وصبره، من إيمانه بأنه قادر على تغيير النظرة السلبية للجماهير، وبأنه يستحق مكانه في الأهلي.
بدأ أداؤه على أرض الملعب يتطور، وبدأت خطواته أقوى رفضًا الاستسلام، شاب قرر أن يبذل جهده ليصبح كما يريد هو، لا كما يريد الآخرون.. ومع كل مباراةفي الفترة الأخيرة مع الأهلي، بات طاهر يجذب انتباه الجماهير، وتحوّل من لاعبٍ منبوذ إلى لاعب محبوب، يُشيد به مشجعو النادي في كل مكان.
تمامًا كما أحبت الجماهير زيزو بعد تحوله، أصبح طاهر اليوم نموذجًا جديدًا للالتزام والإصرار، لاعبًا يتحدى النقد ويحوله إلى طاقة للنجاح.. إن قصته تذكرنا دائمًا بأن التحولات الكبيرة لا تحتاج لمعجزات، بل لروحٍ قوية تعرف أن قيمة الإنسان تكمن في إصراره ورغبته في تجاوز التحديات وتحقيق الأهداف.
لكن ما يعجبني في تحول طاهر محمد طاهر، خلف الكواليس.. بين التدريبات اليومية والمثابرة المستمرة، كان طاهر يعمل بصمت.. لم ينحني أمام الشكوك، ولم يسمح لنظرات النقد أن تعيق طريقه، وبدأ في تغيير سردية الحكاية بنفسه، بعرقه وإصراره، بإيمانه العميق بأنه يستحق هذا المكان، وبمرور الوقت، بدأت الجماهير ترى فيه ما لم يرَوه من قبل؛ روح جديدة، وعزيمة اللاعب الذي لا يتخلى عن حلمه.
في النهاية، كما أبدعت السينما في تحويل شخصياتها من منبوذين إلى أبطال، نجح طاهر محمد طاهر في أن يصنع لنفسه مكانًا في قلوب جماهير الأهلي مؤخرًا، هذا التحول تذكيرًا بأنه ليس مستحيلًا، وأن العبرة تكمن في الإصرار والعمل الجاد، في القدرة على تجاوز الظل للوصول إلى النور.. ولكن الأهم من كل هذا هو الاستمرارية! وليس انتهاء مفعول "حقنة لهيطة".
أخبار متعلقة :