د. مصطفى حسين كامل
د.مصطفى حسين كامل الأستاذ بعلوم القاهرة ووزير البيئة الأسبق
مع اقتراب موعد إنعقاد مؤتمر التغيّر المناخي بدورته التاسعة و العشرين في باكو - أذربيجان، تساؤلات تطرح في ظل ترافق المؤتمر مع حروب دموية تلفّ العالم و تلتهم الأخضرواليابس من جهة و عجز الدول الأطراف عن الإلتزام بما تم التوافق عليه في كوب 27 و 28 حيث الجهود بدت خجولة من دون نتائج ملحوظة للحد من الإحتباس الحراري الذي ركّز عليه كوب 27 و غيرها من المعضلات الجسيمة التي غالبا ما تدفع ثمنها الدول النامية و المنخفضة الدخل. كذلك خلال هذه الدورة نفسها (27)، تعهّدت الدول ببذل جهود إضافية لتعزيز الشفافية فيما يتعلق بالإلتزامات التي تعهّدت بها الدول والشركات و لكن ذلك لم يحدّ من الفياضانات المدمّرة و موجات الحرّ غير المسبوقة و الجفاف و العواصف المخيفة ليعيش الكوكب بأسره في حالة طوارئ مناخية.
مرورا إلى كوب 28 الذي عقد في دبي والذي إعترف لأول مرة بالحاجة إلى التحوّل عن إستخدام الوقود الأحفوري الذي تشكّل عائداته حوالي نصف إقتصاد بعض الدول، فكان من الصعب الذهاب إلى مرحلة التطبيق خاصة مع إندلاع الحروب و النزاعات التي يعتبر فيها إستخدام الوقود الأحفوري أساسيا. خطوة تاريخية في تاريخ المؤتمر في دبي و لكن تبقى المسافة بين التطلعات و تحقيق العدالة المناخية والثغرات الموجودة كفيلة بتدمير ما تبقى من النظم البيئية و تقويض حقوق الإنسان في حياة صحية و آمنة إلى أجل غير مسمى.
إلى باكو، دول أطراف منظمات غير حكومية، نشطاء و ممثلو المجتمع المدني يتوجّهون بين الحادي عشر و الثاني و العشرين من نوفمبر الجاري للإجتماع على أرض أذربيجان، حيث يطرح إختيار المكان إشكالية جدلية لما لهذا البلد من تجارب غير موفقة في حقوق الإنسان من باكو، سيرفع الصوت عاليا لمنع المزيد من الإحتباس الحراري العالمي و للتوافق على إعداد خطط للتصدي لتغيّر المناخ و تطويرها و تبادلها.
في مؤتمر باريس 2015، كان الإتفاق على العمل للحد من إنبعاثات الغازات الدفيئة و بالتالي للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية. فهل هذا الإتفاق يبصر النور و يحقق خطوات فاعلة و العالم لا تفتأ أن تخمد فيه رماد الحروب في زاوية إلى أن تشتعل في زاوية جديدة؟ و كلنا يعي كميات التلوّث و الغازات السامة التي تخلّها الأسلحة، و منها المحرّمة دوليا، أضف إلى ذلك الإستهلاك المفرط للموارد النفطية و الوقود الأحفوري للطائرات و الدبابات و الآليات العسكرية؟؟ و هل يتوصل كوب 29 إلى الحد من إرتفاع متوسّط درجة حرارة الكوكب الذي بلغ في العام 2023 أعلى مستوياته منذ 2016 حيث وصل ل 1.5 درجة مئوية، الأمر الذي اعتبر حسب اتفاقية باريس مؤشرا خطرا.
أمام هذه الأرقام و المخاوف والالتزامات التي تتعهّد بها الدول، تسارعت الحكومات و كذلك الأفراد لطرح بعض المبادرات الموجّهة نحو إصلاح النظم البيئية. في مونتريال، ديسمبر2022، إعترفت الأمم المتحدة بجهود 10 مبادرات فردية رائدة من جميع أنحاء العالم لدورها في إصلاح الطبيعة و إعتبرتها مؤهلة لتلقّي التمويل و الترويج المدعوم من الأمم المتحدة. هذه المبادرات تهدف إلى إصلاح 68 مليون هكتار و توفير ما يقارب 15 مليون فرصة عمل حول العالم. حتى اليوم، تبقى نتائج هذه المبادرات ضبابية، فهل سيكون للتركيز على رفع مستويات التمويل في كوب 29 دورا فاعلا في تمويلها و دعمها؟
انتقالا إلى أميركا اللاتينية حيث الميثاق الثلاثي لغابات المحيط الأطلسي، توصّلت كل من البرازيل، البراغوي و الأرجنتين، من خلال هذه المبادرة إلى إصلاح 700 ألف هكتار من الغابات من أصل مليون هكتار على برنامج أعمالها حتى العام 2030.
إلى الشرق الأوسط، حيث كان لمصر حصّة بارزة في المبادرات الفريدة من نوعها، على سبيل المثال لا الحصر، مبادرة "إتحضّر للأخضر" تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى من أجل رفع الوعي البيئي و تغيير السلوكيات الفردية و المجتمعية. عربيا و خليجيا، في السعودية، شملت مبادرة "السعودية الخضراء" جميع الفئات المجتمعية للمساهمة في الإبتكار و الإبداع بغية تحقيق أهداف الأمم المتحدة الخاصة بالتغيّر المناخي. في أبو ظبي، و من خلال مبادرة إصلاح البيئة البحرية، تم إصلاح حوالي 7500 هكتار من المناطق الساحلية مع وضع 4500 هكتار أخرى قيد الإصلاح لعام 2030 من أجل تحسين ظروف النباتات و الحيوانات البحرية و إصلاح أحواض الأعشاب البحرية.
نعم هناك إنجازات تذكر و مبادرات تنتظر أن تبصر النور و لكن تبقى المعضلة الأكبر على هذا الكوكب في عدم تكافؤ الفرص و عدم التوازن الذي تعاني منه هذه الأرض، فأية نتائج عالمية عامة ستكون و نحن نصلح الطبيعة و نظمها الإيكولوجية من جهة و ندمّرها من جهة ثانية؟
من هنا، قادة المؤتمر و الدول الأطراف هم، هذا العام، أمام معضلات متشعّبة و متشابكة يتصدّرها الدمار و الانتهاكات لحرمات الطبيعة و مشاهد النزوح الجماعي التي خلّفت الأضرار الجسيمة في سبل العيش و طالت بالدرجة الأولى الدول الأشد فقرا في العالم. فكيف السبيل، في ظل كل تلك التداعيات، إلى تأمين بيئة نظيفة صحية و آمنة و مقومات العيش الكريم من غذاء و سكن و مياه؟ و كيف هو السبيل مع تراكم الإخفاقات السابقة التي لم تتم معالجتها حتى الساعة و أهمها كبح جماح استخدام الوقود الأحفوري المميت و الذي يؤدي إلى كوارت صحية و بيئية.
لعلّ المنظّمون لهذا العام تنبّهوا مسبقا لحجم الخطر الذي يهدّد الوجود البشري على سائر المعمورة فجعلوا من بين أبرز عناوينهم المطروحة "أهداف طموحة و شفافة" يتوقّع من خلالها توسيع نطاق تمويل المناخ بهدف تحويل الدول طور النمو إلى إقتصادات خالية من الكربون. و السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إلى أي مدى سيكون التجاوب الدولي وحجم الأموال المرصودة لهذه الإصلاحات في حين أن الكثير من الدول منهكة ماليا ومستنزفة في حروب لا نهايات وشيكة لها؟ وفي حال توفّرت هذه الأموال في سيناريو آخر، كيف سيكون التوفيق بين إستكمال الحروب و نهوض الدول علما أنّ معظم الدول المعنيّة في نطاق التمويل المناخي هي ساحات حروب حالية.
فالعجب كل العجب من سياسات عالمية تموّل الحرب في زاوية و تجمع الأموال لإستنهاض الزاوية نفسها على هذا الكوكب، لنصل في النهاية إلى لا نتائج، لا ضمانات و لعلّها تكون عودة إلى نقطة الصفر، أيام قليلة و تتجلّى الرؤية و تتوضّح المسارات، و ها نحن جالسون في غرفة الإنتظار إلى حين خروج طاقم الطوارئ ليطمئن قلوب ثمانية مليار بشري عن مصيرهم الوجودي.
فهل سنخرج هذا العام بجديد؟؟؟ كلنا ينتظر.. .
أخبار متعلقة :