بوابة المساء الإخباري

ما حكم إذا تذكر الإمام بعد الصلاة أنه لم يتوضأ والمأمومون يرفضون إعادتها؟ مفتي الجمهورية يجيب .. بوابة المساء الاخباري

ما حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيا؟ يقول سائل: «صلينا العصر خلف الإمام، وبعد انتهاء الصلاة أخبرَنا الإمام أنه كان مُحْدِثًا ولم يكن متذكرًا حدثه عند الشروع في الصلاة، وانقسم المأمومون إلى قسمين:  قسمٌ أعاد الصلاة مع الإمام، وقسمٌ لم يُعد؛ ونرجو منكم بيان الحكم الشرعي في المسألة».

 

فال الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، إنه إذا أخبر الإمام بعد انتهاء الصلاة أنه صلَّى بالمأمومين وهو مُحْدِثٌ فتلزمه هو الإعادة دونهم، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة خلافًا للسادة الحنفية، ومن أعاد صلاته من المأمومين ففعله صحيحٌ أيضًا ولا حَرَج عليه، وهو موافقٌ مذهب الحنفية، وننبه إلى أنه لا مجال لجعل المسائل الخلافية سبيلًا للانقسام أو الشقاق؛ إذ الجميع مأجور في مسائل الاجتهاد، وعلى من ابتلي بمثل هذا أن يتخيَّر من مذاهب الفقهاء المعتبرين ما فيه تأليف الناس واجتماعهم.

 

الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة


أكد مفتي الجمهورية، أن الطهارة شرطُ صحةٍ للصلاة لا تصح بدونها؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يقول: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» رواه مسلم في "صحيحه"، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفقٌ عليه.

 

حكم الصلاة عند إمامة المحدث للناس ناسيًا


وتابع: من المقرَّر في صلاة الجماعة أنَّ المأموم مأمورٌ بالاقتداء بإمامه، وأنَّه إذا أخطأ الإمام فخطؤه عليه لا على المأموم، إلا إذا تيقَّن المأموم وتابعه عليه فالخطأ عليهما معًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» رواه البخاري في "صحيحه".

 

ونقل العلَّامة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "منحة الباري بشرح صحيح البخاري" في شرح هذا الحديث (2/ 409، ط. مكتبة الرشد): [(فإن أصابوا) أي: في الأركان والشروط والسنن (فلكم) أي: ثواب صلاتكم كما أنَّ لهم ثواب صلاتهم، (وإن أخطئوا) أي: ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم كأن صلَّوا محدثين (فلكم) أي: ثواب صلاتكم (وعليهم) أي: عقاب أخطائهم؛ لأن على تستعملُ في الشرِّ، واللَّام في الخير].

 

وأفاد بأنه إذا صلَّى الإمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكر للحدث، ولم يعلم المأمومون بحدثه إلا بعد الانتهاء من الصلاة؛ فصلاة المأمومين صحيحة، ولا إعادة عليهم، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده، وبهذا قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلُّوا على ذلك بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَصَفَّ النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ مَقَامَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، فَخَرَجَ وَقَدِ اغْتَسَلَ وَرَأْسُهُ يَنْطُفُ الْمَاءَ، فَصَلَّى بِهِمْ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.

وفي رواية أخرى، عن أبي بكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم «دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ» رواه أبو داود في "سننه"، والبيهقي في "سننيه الكبرى والصغرى".

 

قال الإمام الخطَّابي في "معالم السنن" معقبًا على حديث أبي بكرة رضي الله عنه (1/ 78، ط. المطبعة العلمية بحلب): [في هذا الحديث دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه ثم استوقفهم إلى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى يجوز البناء عليه جاز سائر أجزائها، والاقتداء بالإمام طريقه الاجتهاد، وإنما كُلِّفَ المأموم الظاهِرَ من أمره وليس عليه الإحاطة؛ لأنه يتعذر دركها فإذا أخطأ فيما حكمه الظاهر لم ينقض عليه فعله كالحاكم لا ينقض عليه حكمه فيما طريقه الاجتهاد وإن أخطأ فيه، ولا سبيل للمأموم إلى معرفة طهارة الإمام ولا عتب عليه إن عزب عنه علمهما] اهـ.

واستدلَّوا أيضًا بما جاء عن سليمان بن يَسَارٍ رضي الله عنه: أَنَّ أمير المؤمنين عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه "صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، ثُمَّ غَدَا إِلَى أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلاَمًا، فَقَالَ: إِنَّا لَمَّا أَصَبْنَا الْوَدَكَ لاَنَتِ الْعُرُوقُ، فَاغْتَسَلَ، وَغَسَلَ ما كان في ثَوْبِهِ من احْتِلاَمَ، وَعَادَ لِصَلاَتِهِ" رواه الإمام مالك في "الموطأ".

قال الإمام أبو بكر ابن العَرَبي في "المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك" شارحًا لهذا الأثر ومستدلًّا به (2/ 211، ط. دَار الغَرب الإسلامي): [فإنّه صلّى بجماعة من أصحابه صلاة الصُّبح، ثمّ غَدَا إلى أرضِهِ بِالجُرفِ، فَوَجَدَ في ثَوبِه احتلامًا، فَغَسَل واغتَسَلَ، فأعاد صلاته وَحْدَهُ ولم يأمرهم بالإعادة، وهذا في جماعةٍ، ولم يُنكره واحدٌ منهم. ورُوِيَ عنه أنّه أفتى بذلك].

 

وقد تواردت عبارات الفقهاء على ذلك:

قال الإمام الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 124، ط. دار الفكر): [إذا صلى محدثًا ناسيًا للحدث؛ فإنه لا إعادة على مأمومه؛ للقاعدة المقررة: "أن كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في سبق الحدث ونسيانه"] اهـ.

وجاء في "الحاوي الكبير" للإمام الماوردي الشافعي (2/ 238، ط. دار الكتب العلمية): [إمام صلى بقوم ثم علم بعد فراغه من الصلاة أنه جنب فعليه الإعادة وحده، فأما المأمومون فلا إعادة عليهم إذا لم يعلموا بحاله قبل صلاتهم].

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 73، ط. مكتبة القاهرة): [مسألةٌ: قال: (وإذا نسي فصلى بهم جنبًا، أعاد وحده)، وجملته أن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا، أو جنبًا، غير عالم بحدثه، فلم يعلم هو ولا المأمومون، حتى فرغوا من الصلاة، فصلاتهم صحيحة، وصلاة الإمام باطلة].

وذهب الحنفية إلى أنَّ الإعادة في هذه الحالة واجبةٌ على الإمام والمأموم؛ بناءً على أنَّ فساد صلاة الإمام يلزم منه فساد صلاة المأموم.

قال الإمام الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 144، ط. المطبعة الأميرية): [قال رحمه الله: (وإن ظهر أن إمامه محدث أعاد)، وقال الشافعي: لا يُعيد، وعلى هذا الخلاف: الجنب، والذي في ثوبه أو بدنه نجاسة.. ولنا: قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه».

وعن عليٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أنه صلى بهم، ثم جاء ورأسه يقطر فأعاد بهم»؛ ولأن صلاته مبنية على صلاة الإمام والبناء على الفاسد فاسد].

 

المختار للفتوى في هذه المسألة


أبان: المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من صحة صلاة المأمومين إذا صلوا خلف إمام وهو مُحْدِثٌ غير متذكِّرٍ للحدث، ولم يعلموا بحدثه وقت شروعهم في الصلاة، ولا تلزمهم إعادة الصلاة، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده؛ لما ثبت من فعل النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وما أفاده وفهمه العلماء، ولكون ذلك أوفق للتيسير ورفع الحرج عن المكلفين كما هو مقصد الشريعة الغراء.

 

ويترتب على ذلك أن من ترك الإعادة فلا حَرَجَ عليه وصلاته صحيحة، ومن أعادها من المأمومين فلا حَرَجَ عليه أيضًا؛ لموافقة فعله مذهبًا فقهيًّا معتبرًا وهو مذهب الحنفية، والـمُقرَّر أنه "لا إنكار في مسائل الخلاف".
 

أخبار متعلقة :