بوابة المساء الإخباري

عودة الروح للصناعة.. «النصر للسيارات» لماذا أغلقت؟ ولماذا عادت؟ - بوابة المساء الاخباري

- السيسي طلب عودة الشركة للإنتاج سريعًا.. والحكومة أنجزت المهمة في أربعة أشهر

- رئيس الوزراء: اليوم عيد.. وزير قطاع الأعمال: يوم تاريخي.. الرئيس التنفيذي: سنحقق المستحيل

- بعد عودة النصر للسيارات هل نشهد عودة للكوك والحديد والصلب والقومية للأسمنت؟

أمس الأول، السبت، كان الحدث، مضيت من منزلي في الصباح الباكر متجهًا إلى مبنى شركة النصر لصناعات السيارات في وادي حوف بحلوان، حلوان العزيزة على نفسي، حلوان قلعة الصناعة الوطنية لعقود طويلة من الزمن، حلوان العمال الشقيانين، تلك البقعة الطاهرة التي كثيرًا ما شهدت في الستينيات افتتاح الرئيس الخالد جمال عبد الناصر للكثير من قلاعها.

إذن هذه هي شركة النصر لصناعات السيارات، وهذه هي الشوارع المؤدية إليها، هنا كنا نجتمع جنبًا إلى جنب مع العمال الرافضين لإغلاق الشركة في عام 2009، أتذكر الوجوه والهتافات والدموع التي كانت تنهمر من العيون، حزنًا وألمًا على هذا الصرح الصناعي الكبير. يومها ضاعت نداءاتنا وصرخاتنا، مطالبين بالتوقف عن التصفية، كنا ندرك أن حكومة أحمد نظيف قد اتخذت قرارها في هذا الوقت، وكنا نعرف جيدًا أن أصحاب المصلحة الذين كانوا يحكمون ويتحكمون هم الذين وقفوا وراء التوقف والتصفية، تقدمت بالعديد من طلبات الإحاطة أمام مجلس الشعب، كتبنا سلسلة من التحقيقات في صحيفة «الأسبوع» لكن كافة هذه الأصوات ذهبت سدى.

الرئيس عبد الفتاح السيسي

كانت الشركة قد تأسست بالقرار الجمهوري عام 1960 على مساحة تبلغ حوالي 900 ألف متر، وكان عدد العاملين المهرة قد وصل في هذا الوقت إلى حوالي 12 ألف عامل، وكانت الشركة تنتج سيارات نصر وشاهين واللوري والأتوبيسات، حتى وصل الإنتاج إلى 500 ألف سيارة ورغم النجاحات التي حققتها الشركة طيلة العقود التالية، فإن نوايا البعض كانت شيئًا آخر، جرى تعمد إلحاق الخسارة بها، وبدلًا من الإصلاح والتطوير، تمت تصفة الشركة في عام 2009 في إطار سياسة «الخصخصة» التي استهدفت تدمير القلاع الصناعية الكبرى وبيع أصولها لأصحاب الحظوة.

في هذا الوقت قامت دولة عربية شقيقة هي المغرب بإطلاق صناعة السيارات، حيث نجحت في تأسيس هذه الصناعة الاستراتيجية والتي قفزت بالإنتاج المغربي إلى 700 ألف مركبة سنويًا، واستطاعت جذب استثمارات بالمليارات، وإنتاج أول سيارة محلية خالصة خلال عام 2023 بنسبة مكون محلي 100%، فضلًا عن إعلان النموذج الأول لمركبة تعمل بالهيدروجين. وقفزت المغرب بهذه الصناعة عام2021 لتحتل المركز الثالث عالميا بعد الهند والصين. لقد حقق المغرب هذا التطور الكبير خلال العشرين عامًا الماضية، بينما مصر التي كانت أول دولة عربية أطلقت هذه الصناعة عام 1960 أغلقت أبواب شركتها في عام 2009، بزعم أن الشركة تحقق خسائر كبيرة.

وعلى مدى أكثر من 15 عامًا تم تجاهل الشركة وتسريح عمالها، أغلقت الأبواب، وبدت العنابر كالأطلال الخربة، التي لم يعد هناك أمل في إصلاحها، ومضى العمال إلى بيوتهم يبحثون عن أعمال تدفعهم إلى استكمال مسيرة الحياة.

ومنذ عام 2017 صدرت التعليمات الرئاسية بإعادة بحث أوضاع الشركة، وكانت التساؤلات المطروحة: كيف العمل؟ وإلى أين يمكن أن يمضي الطريق؟

تم تشكيل فرق عمل، حددت أهدافها بعد أن أخفقت في العودة مجددًا عام 2017، شهور قليلة فقط كانت عمر التجربة الجديدة، بدأ د.محمود عصمت، وزير قطاع الأعمال السابق إعداد الدراسات، جاء التغيير الوزاري وأسندت وزارة قطاع الأعمال العام إلى شخصية تميزت بالكفاءة في مجالات عملها السابق. ورئاسته لشركة بتروجيت البترولية، وصان مصر، وحقق فيهما نجاحات كبيرة أهلته لتولي هذا الموقع المهم.

توقيع العقود

كان المهندس محمد شيمي يعمل ويتابع، وكانت توجيهات رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولي: لابد من عودة هذه الصناعة. وبأقصى سرعة عقد رئيس الوزراء العديد من الاجتماعات مع وزير قطاع الأعمال، نوقش الأمر في اللجنة الوزارية للتنمية الصناعية برئاسة المهندس كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير النقل والصناعة، وكانت الانطلاقة المفاجئة التي جاءت بأسرع مما يتوقع الكثيرون.

تم اختيار أحد رجالات الصناعة المشهود لهم بالكفاءة والقدرة والحسم: إنه الدكتور المهندس خالد شديد، الرئيس التنفيذي للشركة.. كانت الخطة تقضي بـ:

- عودة الشركة بأسرع وقت للإنتاج من خلال شركات قوية، والتحول من شركة محلية إلى شركة إقليمية واعدة.

- وضع استراتيجية حسب أولويات العمل وأهمها الاستثمار في البنية التحتية وخطوط الإنتاج.

- جذب الخبرات والكفاءات للعمل في الشركة.

لقد واجهت عملية العودة والتطوير والتحديث تحديات كثيرة منذ بداية الإطلاق ومنها:

- أولًا: كيفية عودة العمالة الماهرة بعد 15 عامًا من الإغلاق.

- ثانيًا: كيف يمكن تحقيق سرعة إعادة تهيئة البنية التحتية وخطوط الإنتاج حتى يمكن إقناع الشركاء بالمشاركة والجدية في المشروع.

وعلى الفور، كان قرار المهندس محمد شيمي وزير قطاع الأعمال العام بتحديث البنية التحتية: رصف الطرق الداخلية والخارجية، إعادة إصلاح شبكة الكهرباء والغاز، تطوير الصرف الصحي والصناعي، البدء في توقيع اتفاقات الشراكة والتطوير. الفترة كانت محدودة، ووفقًا لتصريحات الدكتور خالد شديد منذ نحو أربعة أشهر مضت لم تكن هناك لمبة واحدة يمكن أن تضيء المكان. الآن نرى أمامنا رئيس الوزراء، ونائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية، ووزير قطاع الأعمال العام والعديد من الوزراء الآخرين وكبار المسئولين وجمعًا غفيرًا من الخبراء والشركاء يتصدرون المشهد ويفتتحون مصنع إنتاج الأتوبيسات والذي ينتج أتوبيسا كل يوم وبمعدل 300 أتوبيس سنويًا بمكون محلي يزيد على نسبة 50%، وبحلول عام 2027 سيصل الإنتاج إلى 1500 أتوبيس سنويًا، وبنسبة من 60-70% مكون محلي.

لقد عبر د.خالد شديد عن هذا الطموح في كلمته بقوله: «إن الرؤية المستقبلية للشركة تستهدف استغلال جميع مصانعها وإدخالها في دورة الإنتاج والاستثمار فى بعض الصناعات المغذية للنمو وتعميق الصناعة مع تنويع المنتجات لتشمل النقل الخفيف أيضًا.

كانت السعادة بادية على وجه د.مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، عندما أطلق إشارة البدء، وهو يتحدث عن حلم الرئيس بعودة قلاع الصناعة الوطنية معتبرًا أن عودة هذه الشركة العملاقة تمثل عيدًا للمصريين سيظل خالدًا في ذاكرتهم وفي تاريخهم. إنها السعادة نفسها التي بدت على وجه وزير قطاع الأعمال مهندس محمد شيمي وهو يتحدث قائلًا: إن هذا يوم تاريخي يأتي ليشهد بداية عهد جديد لواحدة من أهم قلاع الصناعة الوطنية التابعة لوزارة قطاع الأعمال العام. كنت أتابع السعادة على وجوه العاملين، وفي مقدمتهم المهندس محمد السعداوي، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، والذي تفرغ لإنجاز هذه المهمة وتابع خطواتها أولًا بأول وراح يتحدث أمام رئيس الوزراء بعين الخبير الذي يملك رؤية للمستقبل.

كان هناك حدث آخر يؤكد مصداقية الحكومة في فتح باب الشراكة للقطاع الخاص وهو توقيع عقد تأسيس شركة مساهمة بين شركة النصر لصناعة السيارات وشركتيْ «ترون تكنولوجي» التايوانية، وشركة «يورترانزيت» الإماراتية بغرض تصنيع أول ميني باص كهربائي (24 راكبًا) للخدمة داخل المدن والقطاع السياحي بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 أتوبيس في عام 2026، بالإضافة إلى خط لإنتاج البطاريات من المقرر أن يبدأ العمل فيه اعتبارًا من منتصف العام المقبل، على أن تتم مضاعفة هذه الأعداد بداية من عام 2027. كان رئيس الوزراء ووزير قطاع الأعمال يشهدان عملية التوقيع بحضور الأطراف المشاركة، طلب رئيس الوزراء ضرورة ضغط البرنامج الزمني الخاص بتطوير مصنع سيارات الركوب، فكانت الإجابة: سيتم الانتهاء من أعمال التطوير الشهر المقبل وذلك تمهيدًا للبدء في تركيب خطوط الإنتاج بطاقة تصميمية 20 ألف سيارة سنويًا في الوردية الواحدة على أن يبدأ الإنتاج التجريبي في منتصف 2025 وبنسبة مكون محلي تتجاوز 45% كمرحلة أولى، ناهيك عن شراكات أخرى من بينها تأسيس شركة «إس إن» أوتوموتيف بين شركة النصر وشركة الصافي بنسبة 24% للنصر و76% للصافي، مما يعد نموذجًا حيًا للتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، كما أن الفرصة مفتوحة أمام المزيد من الشراكات الفعالة كما قال المهندس محمد شيمي.

أتوبيسات شركة النصر

إذن عادت شركة النصر مجددًا، وهو - كما قال د.مصطفى مدبولي - قرار استراتيجي من الدولة، وهو ما يعطي الأمل لعودة العديد من الشركات الأخرى المتوقفة، أو تلك التي تعمد البعض تصفيتها وهو ما يدعو إلى السؤال مجددًا: هل يمكن أن نشهد قريبًا عودة لشركة الحديد والصلب بالبتين أو الكوك أو القومية للأسمنت؟ ربما تكون الإجابة صعبة، ولكن هذه الشركات تمتلك من الأصول والإمكانات ما يجعلها قادرة على النهوض مجددًا.. بقى أن أقول: إن هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال الأسبق، كان ينوي تصفية كافة شركات قطاع الأعمال العام، وتعهد أن يلحق بها الخسائر وكان يرفض كل الدراسات التي تحدثت عن إمكانية النهوض مرة أخرى، وكان دومًا يتعمد الإساءة لقطاع الأعمال العام وللعاملين فيه، متهمًا إياه بخراب مصر، بينما عندما جاء د.محمود عصمت ليتولى هذا الموقع نجح في أقل من ثلاث سنوات في رفع أرباح قطاع الأعمال العام من عشرة مليارات إلى 29.5 مليار جنيه. والآن تبدو الصورة أكثر تفاؤلًا، ومن هنا تبدأ الحكاية.. حكاية عودة الصناعة المصرية وقلاعها المنتشرة في أنحاء البلاد.ويكفي القول: إن أرباح شركة الألمونيوم بنجع حمادي التي كان ينوي هشام توفيق تصفيتها بلغت هذا العام حوالي 9 مليارات جنيه، أما شركة كيما أسوان فهي تشهد نهوضًا كبيرًا مع افتتاح المصنع الجديد (كيما 2) في شرق مدينة أسوان والذي افتتحه الرئيس السيسي في ديسمبر عام 2021 والذي بات ينتج حاليًا 1320 طن أمونيا يوميًا و137 طنا من خام اليوريا.

بقى القول: إن انطلاق النصر للسيارات لن يكون النهاية، بل هو استمرار لعودة الروح إلى الصناعة الوطنية وقلاعها الشامخة، وهو أمر يبعث الأمل في النفوس من جديد، ويؤكد جدية الانطلاقة التي وجه بها الرئيس السيسي وبدأنا نرى تفعيلها على يد «البلدوزر» المهندس كامل الوزير والوزراء المعنيين، وبمتابعة دءوبة من رئيس الوزراء د.مصطفى مدبولي.

بعد عدة ساعات قضيتها في الاحتفال بانطلاقة النصر للسيارات، مضيت والحلم يراودني، فمصر لن تنهض إلا بالصناعة والزراعة جنبًا إلى جنب مع الموارد الأخرى.

أخبار متعلقة :