بدأت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الإثنين الماضي، صوم الميلاد المجيد، الذي يُعتبر أحد أهم فترات الإعداد الروحي في التقويم القبطي، لاستقبال ميلاد السيد المسيح، حيث يُقام قداس عيد الميلاد المجيد مساء يوم 6 يناير حتى الساعات الأولى من يوم 7 يناير برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد من المسئولين، وسط أجواء احتفالية تجمع أبناء الشعب المصري.
مدّة صوم الميلاد ومعناه الروحى
ويصوم الأقباط الأرثوذكس صوم الميلاد لمدة 43 يومًا وينقسم الـ43 يومًا إلى 40 يومًا تصومها الكنيسة لاستقبال ميلاد يسوع المسيح، كما صام موسى 40 يومًا قبل أن يتسلم كلمة الله المكتوبة «لوحي الشريعة»، و3 أيام تذكار معجزة نقل جبل المقطم في وقت القديس سمعان الخراز، في عهد البابا أبرآم بن زرعة.
طقوس صوم الميلاد في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
يعد صوم الميلاد إلى أصوام الدرجة الثانية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي تسمح بتناول الأسماك إلى جانب الأطعمة النباتية، كنوع من التخفيف على الأقباط لكثرة الأصوام على مدار السنة.
وحول طقس صوم الميلاد الذي يعيش خلاله الأقباط حالة روحية، تشهد الكنائس خلال هذه الفترة قداسات يومية تتضمن «قسمة صوم الميلاد»، وهي صلاة خاصة تُضاف إلى القداس، بالإضافة إلى طلبات وصلوات من أجل السلام العام، ومن أجل رئيس الجمهورية، البابا، الوزراء، الجنود، ومن أجل خصوبة الأرض وصعود مياه الأنهار.
الشهر الكيهكي وطقوسه الخاصة
يشغل شهر كيهك، المعروف بالشهر المريمي، مكانة خاصة خلال صوم الميلاد، وتُقام فيه «التسبحة الكيهكية»، وهي صلوات وسهرات ليلية تبدأ عند منتصف الليل وتمتد حتى الصباح، حيث تُختتم بالقداس الإلهي.
هذه السهرات تُخصص لترانيم ومدائح تمجد السيدة العذراء ودورها في ميلاد المسيح، ويستمر الطقس الكيهيكي حتى برامون عيد الميلاد، أي اليوم السابق للعيد
الصوم فى الكنائس الأخرى
كنيسة الروم الأرثوذكس
تتبع كنيسة الروم الأرثوذكس التقويم الجريجوري، ويبدأ صوم الميلاد فيها يوم 15 نوفمبر ويبلغ مدة الصوم بها أربعين يوماً، وينتهي يوم 24 ديسمبر، ويُسمح بتناول الأسماك والأطعمة النباتية باستثناء يومي الأربعاء والجمعة، حيث يقتصر الطعام على النباتي فقط. وذلك حتى يوم 12 ديسمبر عيد القديس إسبيريدون، ثم من 13 ديسمبر حتى 24 ديسمبر برامون عيد الميلاد يمتنع عن أكل السمك وحتى عشية الميلاد، يُمنع تناول الأسماك تمامًا.
الكنيسة الكاثوليكية
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بصوم الميلاد بدءًا من 10 ديسمبر حتى 24 ديسمبر، يتبع الكاثوليك التقويم الغربي، حيث يُحتفل بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، يُسمح خلال فترة الصوم بتناول الأسماك مع الامتناع عن اللحوم ومنتجات الألبان.
صوم الميلاد عند السريان الأرثوذكس:
تبدأ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الصوم في 1 ديسمبر ويمتد لمدة 25 يومًا، وينتهي في 24 ديسمبر، حيث يُحتفل بعيد الميلاد في 25 ديسمبر.
صوم الميلاد عند الأرمن الأرثوذكس
وحافظت الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية على مدة الصوم الأربعين يومًا بدءًا من 26 نوفمبر حتى 5 يناير، وتحتفل بعيد الميلاد المجيد فى 6يناير.
الأصول التاريخية لصوم الميلاد المجيد
صوم الميلاد له جذور تاريخية عميقة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويُعتبر البابا خريستوذولس، البطريرك الـ66 للكنيسة «1046-1077»، أول من فرضه بصفة رسمية في الشرق. وضع البابا خريستوذولس قوانين تُحدد الأصوام المفروضة، ومنها صوم الميلاد، حيث قال في إحدى كتاباته:
«صوم الميلاد المقدس يبدأ من عيد مار مينا في خمسة عشر من هاتور إلى تسعة وعشرين من كيهك. وإذا وافق عيد الميلاد المجيد يوم الأربعاء أو الجمعة، يُفطر فيه ولا يُصام. وكذلك الحال في عيد الغطاس المقدس، فإن وافق يوم الأربعاء أو الجمعة، يُفطر فيه أيضًا، أما إذا اتفق العاشر من طوبة يوم سبت أو أحد، فلا يُصام بالجمعة، بل يُصام يوم الجمعة الذي يسبقه عوضًا عن ليلة الغطاس».
رؤية المؤرخين الأقباط لصوم الميلاد
ألقى عدد من المؤرخين القبطيين في القرن الثالث عشر الضوء على صوم الميلاد وأهميته، وعلى سبيل المثال: ابن العسال، أحد أشهر المؤرخين الأقباط، أشار إلى صوم الميلاد بقوله: «ومنها ما هو دون ذلك وأُجري مجرى الأربعاء والجمعة، وهو الصوم المتقدم للميلاد، وأوله أول النصف الثاني من هاتور وفصحه يوم الميلاد».
أما ابن كبر، المؤرخ والفيلسوف القبطي، فقد ذكر أن صوم الميلاد يبدأ من يوم 16 هاتور، ويستمر لمدة 40 يومًا. وأضاف أن بعض الروايات تُشير إلى بداية الصوم يوم 21 هاتور ليكتمل بهذا الشكل أربعين يومًا حتى ميلاد السيد المسيح.
في كتابه «الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة»، قدّم المؤرخ يوحنا ابن أبي زكريا ابن السباع تفسيرًا روحيًا لصوم الميلاد.
وأوضح أن السيدة العذراء مريم، في شهرها السابع ونصف من الحمل بالسيد المسيح، تعرضت للعديد من التعييرات من يوسف النجار وآخرين ممن لم يفهموا سر التجسد الإلهي. بسبب هذه الضغوط، صامت السيدة العذراء شهرًا ونصفًا وهي حزينة وباكية، متأملة في التعييرات التي تعرضت لها ومتفكرة فيما ينتظرها من مسئولية عظيمة.
يقول ابن السباع: «فصام السيد، فصمنا امتثالًا لتعاليمه. وصامت السيدة الطاهرة شهرًا ونصف (كيهك)، فصمنا مثلها».
أخبار متعلقة :