على بُعد 30 كيلومترًا شمال العاصمة دمشق، فوق تلة صغيرة في سهل صيدنايا، وبمساحة تعادل ثمانية ملاعب كرة قدم، يقع السجن الذي يوصف بأنه الأشد رعبًا ودموية في التاريخ الحديث. إنه سجن صيدنايا، الذي يتكون من مبنيين بهما أكثر من 10 آلاف معتقل ومعتقلة. فما الذي نعرفه عن هذا السجن الذي أرعب الأبرياء لعقود؟
تاريخ مظلم للسجن الوحشي
تأسس السجن في عام 1987 وكان في البداية مخصصًا للسجناء العسكريين والسياسيين، ومع مرور الوقت، أصبح هذا السجن واحدًا من أكثر الأماكن سرية في سوريا حسب تقارير أممية، ووصفت منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا بأنه "مسلخ بشري"، حيث تُذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء.
ظروف الاحتجاز
بين جدران سجن صيدنايا، يُحجز عشرات الآلاف من البشر الذين أُلقي بهم في غياهب الزنازين المظلمة فتقول جماعات حقوق الإنسان إن الآلاف من الناس اعتقلوا في صيدنايا وتعرضوا للتعذيب والضرب والحرمان من الطعام والماء والدواء والصرف الصحي الأساسي. وأعدم الآلاف في عمليات شنق جماعية بعد محاكمات صورية، وقدرت إحدى الجماعات أن أكثر من 30 ألف معتقل قتلوا هناك، حسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية. وفي أغلب الحالات، لم يتم تزويد عائلات السجناء بأي معلومات عن مصير أبنائهم. ويصف السجناء السابقون الظروف داخل سجن صيدنايا بأنها مأساوية، حيث كان السجناء يتعرضون للضرب بشكل روتيني، وكانوا غالبًا ما يتركون ليموتوا بسبب الجروح أو الأمراض غير المعالجة.
أساليب التعذيب
حسب التقارير كانت هناك تعذيب متنوعة مثل الضرب والطعن والاعتداء الجنسي والصدمات الكهربائية وقطع الأذنين.
وبحسب شهادات المسجونين كان السجناء يُجبرون على تقمص أدوار حيوانية ويتعرضون للعقاب في حالة عدم الامتثال.
وفي خلال سنوات من النزاع، جرى إعدام ما يقدر بنحو 13،000 شخص.
مواصفات سجن صيدنايا
يختلف سجن صيدنايا عن غيره من السجون من حيث التبعية والممارسات والقوانين المطبقة فيه، إذ يتبع لوزارة الدفاع السورية، بينما لا تتمتع وزارة العدل بأي سلطة عليه حيث لا يمكن لأحد دخوله أو زيارة أي معتقل دون إذن من الشرطة العسكرية والحصول على موافقة مسبقة من شعبة الاستخبارات العسكرية، وفقًا لتحقيق الرابطة الحقوقية.
وخلصت الرابطة في تحقيقها إلى أن السجن يتبع لجهتين قضائيتين منفصلتين الأولى هي "القضاء العسكري"، الذي ينظر في الجنايات أو الجنح التي يرتكبها عسكريون، والثانية هي "محكمة الميدان العسكري".
ويصنف النظام السوري المعتقلين في سجن صيدنايا إلى فئتين الأولى هم الأمنيون، وهم معتقلون مدنيون أو عسكريون بسبب آرائهم أو نشاطاتهم السياسية أو انتمائهم إلى منظمات "إرهابية" أو القيام بأعمال "إرهابية"، أو بناءً على "تهم جاهزة من جانب النظام".
الفئة الثانية هي الموقوفون القضائيون، وهم عسكريون محتجزون بسبب ارتكابهم جنحًا أو جرائم جنائية مثل القتل أو السرقة أو الفساد أو اختلاس الأموال أو الفرار من الخدمة الإلزامية.
حكايات المكبس البشري وغرف الملح
بعد تحرير السجن ظهر في العديد من الفيدوهات والصور غرف الملح والمكبس البشري،فبحسب الفيديوهات والمصادر تم تخصيص غرف ملح لحفظ جثث المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب أو الإعدام. وإحدى هذه الغرف، التي افتتحت في عام 2013، كانت غرفة مستطيلة في "المبنى الأحمر" بمساحة 20×26 قدمًا، بينما كانت الأخرى أصغر بمساحة 13×16.5 قدمًا، دون مرحاض. وكانت هذه الغرف تحتوي على طبقة من الملح الصخري الذي كان يستخدم عادة لإذابة الجليد على الطرق، ولكن في صيدنايا كان يُستخدم كمشارح لجثث الموتى التي تُترك في الزنازين لعدة أيام قبل نقلها إلى غرف الملح.
أما "المكبس الآلي" في سجن صيدنايا، يعتقد المراقبون أنه كان يُستخدم للتخلص من جثث المعتقلين بعد إعدامهم شنقًا. وفي بعض الروايات، يقال إنه كان يُستخدم أيضًا لإعدام المعتقلين وهم أحياء، بينما رجح البعض الآخر أنه كان مجرد مصعد آلي لنقل الجثث بعد الإعدام.
الاتهامات والردود
وفي عام 2017، اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية الحكومة السورية باستخدام محرقة لإخفاء جرائم القتل الجماعي في السجن، استنادًا إلى صور الأقمار الصناعية التي أظهرت وجود مبنى داخل المجمع تم تطويره لاستخدامه كمحرقة. ورغم هذه الادعاءات، نفت منظمة العفو الدولية وجود محرقة داخل السجن، وأكدت أن جثث المعتقلين كانت تُدفن خارج مجمع السجن بعد موتهم.
مازن حمادة: تاريخ النضال السوري
ومع بداية سقوط نظام الأسد، بدأت تخرج القصص من وراء تلك جدران سجن صيدنايا. ففي مستشفى حرستا بريف دمشق، اكتشف الناشطون جثثًا لعشرات الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب، بينهم الناشط المعارض مازن حمادة. وكانت جثته، التي اكتُشفت بعد عامين من اختفائه، تحمل علامات التعذيب والقتل الوحشي. وكتبت ابنة شقيقه، جود الحمادة، على فيسبوك "وداعًا مازن... وداعًا أيها الصادق، أيها النبيل".
أخبار متعلقة :