موقع بوابة المساء الاخباري

تحت وطأة الأزمات.. رابع أكبر اقتصاد آسيوى يندفع نحو الأحكام العرفية

فى قلب العاصمة سيول، وقف رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول أمام حشد من المراسلين والمواطنين، تتجلى على وجهه علامات الأسف والقلق. بدأ خطابًا استغرق دقيقتين بكلمات ثقيلة، معبرا عن أسفه العميق بسبب الصدمة والقلق الذى تسبب فيه للمواطنين، بعد محاولته الفاشلة لفرض الأحكام العرفية، والتى أثارت عاصفة من الفوضى السياسية.

خلال كلمته، حاول يون، طمأنة الكوريين أنه لن تصدر عنه أى محاولات لتعديل الدستور منفردا مرة أخرى. وأن التاريخ لن يعيد نفسه، وأن الديمقراطية ستظل محمية من أى محاولات انتكاسية. وبنهاية خطابه، غادر المنصة وانحنى للشعب الكورى، مؤكدا أنه سيوكل لحزبه مهمة تحقيق الاستقرار فى الفترة المتبقية من ولايته.

قبل أيام قليلة، أقدم الرئيس الكورى على إعلان مفاجئ بفرض الأحكام العرفية، متهما حزب المعارضة الرئيسى بالتعاطف مع كوريا الشمالية وممارسة أنشطة تعتبر مناهضة للدولة.

الإعلان، الذى تم بثه عبر التليفزيون الرسمى فى ظلمة الليل، أعاد إلى الأذهان ذكريات الحقبة الاستبدادية التى عاشتها البلاد، كونه يعد المرسوم الأول من نوعه منذ أن انتقلت كوريا الجنوبية إلى الديمقراطية فى عام ١٩٨٧.

لكن وفى غضون ست ساعات فقط من إعلان الأحكام العرفية، انتشرت الاحتجاجات فى مختلف أنحاء البلاد وسرعان ما تراجع الرئيس الكورى بعد أن تمكن المشرعون من تجاوز جنود الجيش الذين حاولوا منعهم من دخول البرلمان. وشقوا طريقهم عبر اقتحام الحواجز وتسلق الأسوار، ليصلوا فى النهاية إلى داخل البرلمان. هناك، صوتوا بالإجماع على إلغاء هذا القرار.

خطوة الرئيس الكورى التى بدت مفاجأة للجميع، كانت ذروة لتوترات ظلت تتراكم لفترة طويلة. فقد سبق هذا الإعلان تظاهرات حاشدة منذ أكثر من شهر طالبت باستقالة الرئيس يون، على غرار الاحتجاجات التى أدت إلى عزل الرئيسة السابقة بارك جيون هاى فى عام ٢٠١٧ بتهمة الفساد وإساءة استخدام السلطة. كانت فى قلب الاحتجاجات ضد الرئيس الكورى اتهامات بإساءة استخدام صلاحيات سلطته أكثر من مرة، منع خلالها التحقيقات فى اتهامات فساد تتعلق بزوجته واتهامات أخرى تتعلق بكبار المسئولين. إلى جانب ذلك كانت هناك انتقادات واسعة النطاق بسبب سياساته الاقتصادية التى أدت إلى تعميق فجوة التفاوت بين طبقات المجتمع الكورى. وتضاعفت معها ديون كثير من الأسر وأغلقت العديد من الشركات الصغيرة. كما واجهت إدارة يون أيضا اتهامات بتقويض حرية الصحافة من خلال استهداف الصحفيين ووسائل الإعلام المنتقدة للحكومة. وقد أدى هذا إلى تآكل شعبيته بشكل سريع.

الوضع السياسى فى كوريا الجنوبية يتمحور حول تنافس حزبين رئيسيين، هما حزب قوة الشعب -الحزب الحاكم- وهو حزب محافظ يدعم الولايات المتحدة، ويتبنى سياسة تسليح اليابان لتعزيز الأمن الإقليمى. كما يدعم أوكرانيا فى نزاعها ضد روسيا، ويظهر عدائية تجاه الصين وروسيا. والحزب الديمقراطى، الذى يقدم بديلا ليبراليا يركز على الاستقلال الوطنى، ويرفض تسليح اليابان ويريد تعزيز السيادة الاقتصادية لكوريا الجنوبية. يسعى الحزب لبناء علاقات ودية مع الدول الكبرى مثل الصين وروسيا دون الانجرار إلى صراعات.

تولى يون سوك يول رئاسة كوريا الجنوبية فى عام ٢٠٢٢ بعد فوزه بفارق ضئيل فى انتخابات عكست انقساما حادا بين التيارات السياسية. وقد اعتبر عدد من المحللين أن انتخابه كان تعبيرا عن رفض سياسات الرئيس السابق وليس تأييدا واضحا له. وفى أبريل ٢٠٢٣، واجه يون هزيمة سياسية كبيرة بعد أن خسر حزبه الانتخابات البرلمانية أمام المعارضة الليبرالية، التى تمكنت من تحقيق أغلبية ساحقة. تمكن الرئيس الكورى مؤخرا من تفادى التصويت على عزله بصعوبة، مستفيدا من غياب أعضاء حزبه عن جلسة التصويت، مما حال دون تحقيق النصاب اللازم. ورغم هذا، لا يزال مستقبل الرئيس محاصرا بين تزايد الدعوات المطالبة باستقالته، وبين استعدادات المعارضة لتجديد مع محاولات عزله فى الجلسات البرلمانية المقبلة الإعلان عن فرض الأحكام العرفية.

أخبار متعلقة :