مع تطورات الوضع السوري الأخيرة وتداعيات سقوط نظام بشار الأسد، بدأت أوروبا في إعادة تقييم سياساتها المتعلقة باللاجئين السوريين الذين فروا إلى أراضيها جراء الحرب الطاحنة التي دامت أكثر من عقد من الزمن.
في هذا الإطار، طرحت النمسا فكرة استراتيجية أوروبية موحدة تهدف إلى إعطاء اللاجئين السوريين فرصًا للعودة إلى بلدهم، شريطة أن تكون هناك ضمانات بتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا، ويأتي هذا الطرح في وقت حساس، حيث تسعى أوروبا لإيجاد حلول متكاملة ومشتركة تجاه ملف الهجرة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة على بعض دول الاتحاد.
المستشار النمساوي يؤكد ضرورة التحرك الأوروبي الموحد
في تصريحات لصحيفة "فيلت" الألمانية، شدد المستشار النمساوي، كارل نيهامر، على أن الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة إلى وضع استراتيجية شاملة لمواجهة تداعيات الوضع في سوريا.
وأوضح نيهامر أن مسألة إعادة توزيع اللاجئين السوريين بين دول أوروبا لن تكون كافية ولا مفيدة على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن الهدف يجب أن يكون إعطاء الشعب السوري آفاقًا جديدة في وطنه.
وقال نيهامر: "لا يمكن لأوروبا أن تحل المشكلة بتوزيع اللاجئين داخل أراضيها، بل يجب أن تتجه الأنظار نحو سوريا، بحيث يكون هناك دعم حقيقي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها وتعزيز الديمقراطية فيها".
وأكد أن هذا الأمر يستدعي التنسيق مع القيادة السورية الجديدة بعد سقوط الأسد، داعيًا إلى تعيين مبعوث خاص للاتحاد الأوروبي لإجراء مفاوضات مباشرة معها، بهدف وضع آلية للعودة الآمنة للاجئين وضمان حقوقهم الأساسية.
التعاون الأوروبي في تشكيل سياسات اللجوء المستقبلية
وفي إطار التحركات الأوروبية، أعلن نيهامر عن لقاءات مرتقبة مع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي مثل إيطاليا وهولندا والدنمارك، التي تتبنى مواقف مشابهة بشأن الهجرة واللجوء.
وأوضح أن الهدف من هذه الاجتماعات هو تعزيز التعاون بين هذه الدول لوضع إطار عمل مشترك يحدد كيفية التعامل مع قضية اللاجئين السوريين في المرحلة المقبلة.
كما أشار إلى أهمية مراجعة سياسة اللجوء الأوروبية بشكل شامل، مع التركيز على ضرورة التوصل إلى حلول طويلة الأمد تسمح للاجئين بالعودة إلى وطنهم مع ضمان سلامتهم واستقرارهم.
من جانب آخر، بدأت بعض الوفود الأوروبية زيارة العاصمة دمشق بهدف دراسة الوضع عن كثب، والتعرف على احتياجات سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، مما قد يسهم في بناء استراتيجية لإعادة اللاجئين بشكل تدريجي ومدروس.
هذه الزيارات تبرز الجهود الأوروبية المبذولة للتفاعل مع الواقع السوري الجديد في ظل التغييرات السياسية المحتملة.
التحديات الاقتصادية وتأثير عودة اللاجئين على أسواق العمل الأوروبية
على الصعيد الاقتصادي، أظهرت دراسة حديثة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا أن عودة اللاجئين السوريين قد تؤثر سلبًا على سوق العمل في ألمانيا.
ووفقًا للدراسة، هناك نحو 80 ألف سوري يعملون في وظائف حيوية في ألمانيا، مثل الهندسة الطبية، الرعاية الصحية، والتعليم، والقطاعات التي تعاني من نقص في العمالة، مثل هندسة السيارات وتكنولوجيا المناخ.
وتتمثل إحدى أبرز القضايا في النقص الكبير في المهارات في هذه المجالات التي يتم سدها بشكل جزئي من قبل العمالة السورية.
وأفادت الدراسة أنه في قطاع هندسة السيارات، يعمل أكثر من 4 آلاف سوري، مما يسهم بشكل كبير في سد الفجوة في هذا المجال.
كما يشغل نحو 5300 طبيب سوري وظائف في المستشفيات والعيادات الألمانية، ما يخفف الضغط على القطاع الطبي في البلاد، كذلك يعمل العديد من السوريين في مجالات التدفئة والتكييف، والإنشاءات، والتعليم.
وفي هذا السياق، أشار فابيان سمسارها، الخبير الاقتصادي في معهد العمل الدولي، إلى أن العاملين السوريين يشكلون جزءًا أساسيًا في التخفيف من نقص المهارات في العديد من الصناعات الألمانية.
وقال سمسارها: "إن عودة هؤلاء اللاجئين إلى سوريا قد تؤدي إلى تفاقم أزمة نقص المهارات في ألمانيا، خاصة في القطاعات التي تعاني من ضغط شديد في الطلب على العمالة المتخصصة".
أخبار متعلقة :