ننشر لكم من خلال موقعكم " المساء الاخباري"
“تعتمد مدة تعافي المعتقلين من تجربة الاعتقال على شدة التعذيب ومدته ونوعيته”
ما اسمك؟ من أين أنت؟ ما اسم والدتك أو والدك؟… أسئلة بسيطة بديهية يعرف غالبيتنا إجابتها، ولكن عند سؤالها للكثير من المعتقلين المُحرَّرين من السجون السورية في الأيام الأخيرة، لم يستطيعوا الإجابة عليها، بل اكتفوا بالاندهاش والاستغراب، وكأنهم يسمعون بمثل هذه الأسئلة للمرة الأولى، يتساءلون في داخلهم قائلين: “ما الذي يقوله هذا الشخص -الذي يوجه السؤال لهم-؟ وأين نحن؟ وما الذي يحدث حولنا بالضبط؟”.
فبعد سنوات قضاها هؤلاء الأشخاص في سجون النظام المخلوع الأسد، تعرضوا خلالها لشتى أنواع التعذيب اللإنسانية، من ضرب وإهانة واغتصاب وحرمان، لم يكن يتوقع أحد منهم بأنه سوف يأتي ذلك اليوم، الذي ستبصر أعينهم فيه النور، ويتحررون من أسرٍ دام لسنوات، سواء في سجن صيدنايا أو تدمر أو سجن مزة العسكري أو فرع فلسطين أو عدرا أو غيرهم.
ولكن وسط فرحة التحرر، كان حال المعتقلين الخارجين من السجون مؤلماً بشكل لا يصدق، تلك اللحظة التي كُسرت فيها أقفال الزنازين، وأزيح الستار عن عالم مرعب لطالما كان يخفيه النظام عن أعين الناس طوال السنين الماضية.
خرج المعتقلون بحالة صحية يُرثى له، فمنهم مَن كان فاقداً للذاكرة، ومنهم مَن يعاني من اختلال عقلي، ومنهم مَن لا يستطيع المشي أو الوقوف على قدميه حتى، والسؤال الذي يجب أن نطرحه هنا: كيف يمكن أن نعيد الحياة لهؤلاء الأشخاص من جديد؟ وهل يعقل بعد كل ما تعرضوا له من تعذيب أن يعودوا لطبيعتهم فعلاً؟
إعادة تأهيل المعتقلين المحررين.. كيف ذلك؟
حول هذا الأمر تواصل فريق أخبار الآن مع الاختصاصية النفسية، غزل سميح التي قالت إن “إعادة تأهيل المعتقلين المحررين نفسياً وجسدياً هو أمر مهم، نظراً للظروف القاسية التي كانوا يعانونها داخل السجون، وذلك يبدأ بتغذيتهم بشكل جيد وتوفير الراحة الجسدية لهم بحيث يستقرون لفترة ومن ثم يتم عرضهم على أخصائي نفسي لمتابعة حالتهم”.
وأضافت سميح أن أولى مراحل إعادة التأهيل هي الفحص النفسي السريري، التي يتم خلالها تحديد مدى تأثير التعذيب أو الحبس على صحتهم النفسية، وتشخيص الأمراض والمشاكل التي يعانون منها، حيث أنه لا تظهر كل الأعراض على المحررين فوراً، كاضطراب ما بعد الصدمة، الذي يحتاج وقتاً ليتم تشخصيه، ومن ثم بعد ذلك يتم تحديد جلسات مع متخصصين نفسيين لتقديم الدعم اللازم ووضع استراتيجيات ملائمة للتعامل مع الصدمات بشكل أفضل.
أما في حال كانوا يعانون من آلام جسدية -يجدون صعوبة بالوقوف أو المشي على سبيل المثال-، من الأفضل أن يتم عرضهم حينها على طبيب عام، وهو بدوره يتخذ الإجراءات اللازمة ويصف التحاليل والأدوية التي يحتاجونها أو ينقل الحالة لطبيب اختصاصي آخر.
ومن أجل ضمان تعافي هؤلاء الأشخاص على المديين القريب والبعيد، أوضحت سميح أنه خلال الفترات الأولى يجب أن يتم توفير بيئة آمنة ومستقرة خالية من الأنشطة المفرطة، لإعطاء فرصة للدماغ والجهاز العصبي للراحة والعودة لنشاطهم الطبيعي، مع ضمان تلبية كافة الاحتياجات الأساسية للمحررين، كالسكن، والغذاء المتوازن، والعلاج الطبي “من تحاليل ومقويات وما إلى ذلك”.
ومن الضروري على المدى البعيد أيضاً، أن يتم متابعة الجلسات الصحية النفسية المقررة من المعالج المختص بشكل دوري -سواء أسبوعية أو شهرية-، ووضع برامج تدريبية وتأهيلية للاندماج بالوسط الاجتماعي والمهني، وتعزيز الثقة بالنفس من جديد، واسترداد الشعور بالقيمة الشخصية.
“لا تسألوهم عن تجاربهم المؤلمة”
وأكدت الأخصائية النفسية على أهمية دور الأهل والمجتمع المحيط بالمحررين، ووجهت عدداً من النصائح لمن يتعامل معهم سواء من الأهل بالمنزل أو المشفى -مازال هناك أشخاص بالمشافي لم يتم التعرف على هوياتهم وعائلاتهم بعد-، تتمثل فيما يلي:
- التحلي بالصبر واستيعاب أن المحرر قد يعاني من تقلبات مزاجية أو ردود فعل غير متوقعة.
- عدم إجبارهم على الحديث عن تجربتهم، وانتظارهم حتى يبادروا بمشاركة التفاصيل بأنفسهم.
- تجنب الأسئلة التفصيلية والأحاديث المتعلقة بالتجارب المؤلمة، مع التركيز على الحاضر أو المستقبل بطريقة إيجابية وداعمة.
- خلق بيئة داعمة وتوفير الأمان والطمأنينة لهم بعيداً عن التوتر والضغط.
- الاهتمام بحاجاتهم اليومية، وعدم استخدام أساليب الضغط والإلحاح عليهم للقيام بأفعال معينة.
وحذرت سميح من مخاطر عدم تقديم الاهتمام اللازم للمعتقلين المحررين، حيث قالت إن “جودة الحياة المقدمة لهؤلاء الأشخاص -من نوم إلى أكل وتفاصيل أخرى- جميعها تؤثر بمدى تحسنهم، كما أن العوامل الجينية والنفسية والاجتماعية كلها تلعب دوراً مهماً باستعداد الشخص نفسه لتجاوز هذه المرحلة الصعبة”.
واختتمت الأخصائية النفسية حديثها بأن التعافي من تجربة الاعتقال والسجن ليس أمراً مستحيلاً، ولكن هناك عدداً من العوامل المختلفة التي تعتمد عليها مدة تخطي هذه المرحلة وتختلف من شخص إلى آخر، وتتمثل في الآتي:
- شدة التعذيب ومدته لأشهر أو سنوات، ونوعية العنف الذي كانوا يتعرضون له “سواء نفسي أو لفظي أو جسدي أو جنسي”.
- طريقة تعامل المجتمع معهم ومدى الدعم المقدَّم للمعتقلين بعد الخروج.
- الاستعداد الشخصي لتلقي العلاج، فلا يمكن إنكار حقيقة أن هناك حالات صعبة ربما ستحتاج إلى سنوات طويلة للتعافي.
- الدعم المجتمعي والاستقرار المكاني وتلبية الحاجات الضرورية واستمرارها هي ضمان جيد لقابلية المحررين والمحررات للعودة بشكل صحي للحياة الطبيعية.
يُذكر بأن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثَّقت منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011، جرائم نظام الأسد من قتل وتذويب وإخفاء قسري في المعتقلات والسجون السرية في الأفرع الأمنية، واليوم تكشَّفت نماذج وقصص كثيرة موثَّقة تروي وترصد الدماء التي سالت، والانتهاكات التي ارتُكبت بحق الأبرياء.
أخبار متعلقة :