ننشر لكم من خلال موقعكم " المساء الاخباري"
من الجولاني إلى الشرع … فشل مشروع الجهادية السلفية في سوريا
أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نخصصها لأحداث ٢٠٢٤ في سوريا؛ وفيها:
- 2024 … حكام جدد في دمشق يتصدرهم جهادي سابق
- من الجولاني إلى الشرع … فشل مشروع الجهادية السلفية في سوريا
نستضيف هذا الأسبوع صحفيين سوريين بدآ ناشطين مع اندلاع الحراك في ٢٠١١؛ وتشرفت بالعمل معهما من غرفة أخبار الآن. أحمد السخني ابن الرقة يعيش اليوم في فرنسا؛ وحازم داكل ابن إدلب يعيش في السويد. وجهتا نظر مختلفتان لما يجري في بلدهما اليوم.
نهاية العام ٢٠٢٤
يختم العام ٢٠٢٤ بحلّة جديدة في سوريا. سقط الأسد؛ والبلد يتهيأ لحكام جدد يتصدرهم أحمد الشرع بصفته الأول فيما يُعرف ”بالقيادة العامة السورية“ وهو الذي كان يُعرف قبل أسابيع فقط بأبي محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام في إدلب. فهل يستمر هذا الواقع إلى ما بعد مارس ٢٠٢٥ عندما تنتهي مهمة حكومة تصريف الأعمال التي تديرها ما كان يُعرف سابقاً بحكومة الإنقاذ في الهيئة؟ هل ينجح الشرع (الجولاني) في تحقيق استقرار يليق بهذا البلد؟ ربما. فلا تزال علامات الاستفهام على الطريق. لكن الثابت هو أن الرجل هجر السلفية الجهادية واتخذ نهجاً لا يشبههم؛ بل إنه أضعفهم وشقّ صفهم حيث كانوا الأقوى. فيما يلي استعراض لأبرز أحداث ٢٠٢٤ في سوريا وفي صلبها هيئة تحرير الشام وزعيمُها.
أين نحن اليوم؟
مساء الجمعة ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤، ألغت أمريكا مكافأة العشرة ملايين دولار التي وعدت بها لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تحييد الجولاني بمختلف أسمائه وألقابه بما فيها الشرع. في الأثناء، المؤشرات قوية على رفع اسم الهيئة والشرع من قوائم التصنيف.
أقوى هذه المؤشرات هو تدفق الوفود الدبلوماسية العربية والغربية على دمشق؛ حاملين رسائل للشرع وعائدين بانطباعات إيجابية عن حالة جديدة في سوريا قد تؤدي إلى استقرار. أهم الانطباعات أن الرجل هجر الجهادية بحثاً عن وطن لكل السوريين بمختلف منابتهم ومشاربهم. اختبار هذا القول بالفعل يكون في الأسابيع والأشهر المقبلة.
من أهم التحديات أمام الاستقرار المأمول يتعلق بالفصائل. بدأ الشرع بهيكلة الجيش وضبط السلاح. يوم السبت ٢١ ديسمبر أعلن تعيين مرهف أبو قصرة وزيراً للدفاع. أبو قصرة هو قائد الجناح العسكري سابقاً في هيئة تحرير الشام، المعروف بأبي الحسن الحموي أو أبي الحسن ٦٠٠. وفي ٢٢ ديسمبر، أعلن حصر السلاح في إطار الدولة. وهكذا، أُعلن في ٢٤ ديسمبر، دمج ”فصائل الثورة“ تحت مظلة وزارة الدفاع وبدأت تسليم سلاحها.
معارضو الشرع أخذوا عليه أن ينعت ”سلاح الثورة“ بالسلاح ”المنفلت.“ واعتبروا نزع السلاح ”إضعافاً“ للشعب ”أمام الأعداء“ من قسد إلى إسرائيل كما جاء في منشور معارض على التلغرام.
بموازاة هذا، وبعد إعلان حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير، رئيسِ الوزراء في حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة، بدأت التعيينات لشغل الوزارات والمناصب الإدارية الرفيعة. أغلب هذه التعيينات تميزت بالمحسوبية إما لقرب من الشرع أو إرضاء لجهة بلا اعتبار المؤهلات العلمية والحياتية. منها تكليف ماهر الشرع، شقيق الشرع، بوزارة الصحة، وتعيينُ صهره أبي ماجد محافظاً لدمشق؛ وشرعي مقرب منه يحمل الثانوية محافظاً لحماة؛ وأبي العز سراقب مسؤول الجبهة الشامية محافظاً لحلب إرضاء للجبهة بعد تذمر أبدوه في دمشق؛ وهكذا القائمة تطول بحسب ما جاء في حساب أس الصراع في الشام على التلغرام.
معارضون وحتى متحمسون للمرحلة الجديدة تحفظوا على هذه التعيينات. بعضهم اعتبرها تكريساً لعقدة مزمنة عانى منها السوريون وهي ”تحويل سوريا طيلة ستين سنة لمزرعة للأقارب والأتباع.“ آخر اعتبر أن الشرع لا يستند إلى مرجعية حقيقية في إطلاق هذه التعيينات.
متفائلون بالحاضر، رغم معارضتهم الهيئة سابقاً، نصحوا بأن التعيينات في هذه المرحلة بالذات يجب أن تقوم على الكفاءة ”إن أردنا النجاح والوصول لضفة الاستقرار وإكتمال النصر والبدء ببناء الدولة السورية الجديدة.“
للتاريخ
كيف وصلنا إلى هنا؟ سقوط الأسد بدأ عملياً يوم ٢٧ نوفمبر٢٠٢٤ مع إطلاق عملية ردع العدوان التي قادتها هيئة تحرير الشام من خلال ”إدارة العمليات العسكرية.“ في وقت قياسي تمّت السيطرة عسكرياً ومدنياً على حلب؛ والتوجه نحو حماة. في ٥ ديسمبر، اكتملت سيطرة ردع العدوان على المحافظة وباتت الطريق إلى دمشق ممهدة. في ذلك اليوم، تخلى الشرع عن اسمه الحركي، أبي محمد الجولاني، وذلك في بيان رسمي كان ”تهنئة“ لأهل حماة. الرجل لا يسأم من إعادة إنتاج نفسه في الوقت المناسب وبالشكل المناسب.
في ٨ ديسمبر، دخلت غرفة عمليات الجنوب دمشق. وأُعلن أن الأسد وعائلته غادروا البلد إلى روسيا. لم ينقضِ اليوم، حتى كان الشرع في المسجد الأموي في دمشق. في اليوم التالي، اجتمع برئيس الوزراء في النظام السابق لمناقشة تسليم السلطة سلمياً؛ وأُعلنت حكومة تصريف الأعمال بقيادة البشير. اللافت أن الفصائل لم تنازع الشرع في تصدره المشهد؛ ولم تتنازع فيما بينها على مكاسب جغرافية على الأقل.
الجديد في سردية هذا التاريخ هو ما كشف عنه أحمد زيدان المقرب من الشرع في سلسلة منشورات في حسابه على التلغرام بعنوان ”كواليس وخفايا“ الوصول إلى دمشق. جزء من سردية زيدان يتقاطع مع ما أشيع منذ أغسطس ٢٠٢٤ عن قرب معركة لتحرير حلب تُعد لها الهيئة. المعارضون كانوا ينفون جدية هذا الطرح لدى الهيئة؛ بل اعتبروه ”طنطنة ووقوقة وبروباغاندا.“ في ٣ نوفمبر ٢٠٢٤، ترددت أنباء عن إلغاء فكرة المعركة ”وسحب السلاح الثقيل الذي أرسل إلى بعض المحاور.“ وهنا اعتبر معارضون أن ”الجولاني وجنوده يتنافسون في الفشل عسكرياً.. والعنتريات والدجل إعلامياً.“
الآن، زيدان يقول إن الحديث عن معركة حلب بهذه الطريقة – الأخذ والرد – كان استراتيجية متعمدة من الشرع لتحقيق عنصر المفاجأة. يقول إن الشرع تولى شخصياً زمام التخطيط العسكري للمعركة حتى إنه حيّد الحموي – الذي هو اليوم وزير الدفاع. بالفعل، في ٢٥ يونيو ٢٠٢٤، أُعلن أن الحموي استقال من منصبه من دون أن يترك الهيئة. وهكذا، كان الشرع (الجولاني) يعمل وحده؛ فلم يفصح عن نواياه إلا ليلة الهجوم ولعدد محدود من العسكريين كانت مهمتهم الإشراف على تفجير نفق بطول ٧٠٠ متر حفره تنظيم أحرار الشام في ريف حلب الغربي. اقتضت الخطة أن يتزامن التفجير مع ”عملية أمنية معقدة“ اضطلعت بها العصائب الحمراء، جناح الانتحاريين في الهيئة. تتلخص المهمة باختراق الاجهزة الأمنية التابعة للنظام في حلب وتنفيذ اغتيالات متزامنة ضد القيادات العسكرية العليا هناك. وهكذا عمّت الفوضى في صفوف جيش النظام عندما فُجّر النفق وزحفت فصائل ردع العدوان.جانب آخر من الخطة اقتضى تزامناً تحييد قيادة المليشيات الإيرانية، فكان اغتيال قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال كيومرث بور هاشمي في حلب عبر مسيَّرة شاهين التي طورتها الهيئة خلال السنوات الخمس الماضية. هذا ملخص ما كتبه زيدان عن كواليس ”فتح دمشق.“
ملف العمالة
هذه الحظوة التي تحققت لهيئة تحرير الشام أواخر العام ٢٠٢٤ في أجزاء واسعة من سوريا تأتي عكس ما كان عليه الحال مطلع العام.
افتتح العام ٢٠٢٤ على تطورات حاسمة في ملف العمالة الذي ابتليت به الهيئة منذ أغسطس ٢٠٢٣؛ وطال أمنيين وعسكريين كباراً من أبرزهم أبو ماريا القحطاني الذي ظلّ الذراع اليمنى للجولاني حتى اعتقاله مطلع أغسطس ٢٠٢٣. في ١٥ يناير ٢٠٢٤، أغلقت الهيئة الملف. لكن سرعان ما تكشفت حالات تعذيب طالت المعتقلين. في فبراير، قال المعارضون إن الهيئة أعدت مقبرة ”خاصة“ لدفن المقتولين تعذيباً في سجونها. الشرع – الجولاني وقتها – اعترف بوجود ”أخطاء“ في التحقيق. وهكذا أطلق سراح أغلبِ المعتقلين، وكان من أبرزهم القحطاني.
في ٨ مارس، قالت الهيئة إنها توصلت إلى أن ”لا علاقة له (القحطاني) بأي نشاط يتعارض مع المبادئ الثورية والأخلاقية.“ في ٤ أبريل ٢٠٢٤، اغتيل القحطاني في تفجير انتحاري أثناء استقباله المهنئين بخروجه من المعتقل. في ٣١ مايو، ألقت الهيئة القبض على خلية داعشية قالت إنها مسؤولة عن اغتياله؛ ونفذت فيهم حكم الإعدام يوم ١٣ نوفمبر ٢٠٢٤.
”الثورة السورية الثانية“
تميزت الأشهر الأحد عشر الأولى من ٢٠٢٤، بمظاهرات واسعة ضد الهيئة تحت عناوين لافتة مثل ”الثورة السورية الثانية“ طالبت بعزل الجولاني وشبهته ببشار الأسد. من أهم المطالب للمتظاهرين كان إطلاق سراح معتقلي الرأي لدى الهيئة ومن أبرزهم الداعية المصري أبو شعيب، والمحامي السوري المعارض عصام خطيب. إلى أي درجة يحرج هذا الملف الشرع؟ ففي الوقت الذي كسّر فيه السورين جدران صيدنايا وغيرها من سجون النظام، لا تزال الهيئة تدير معتقلات في إدلب. غير واضح لأن الهيئة لم تقدم حتى الآن خطوات مهمة في اتجاه إطلاق سراح المعتقلين.
أخبار متعلقة :