الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها - المساء الاخباري

ننشر لكم من خلال موقعكم " المساء الاخباري"

كيف عانى المدنيين في سوريا من الأسلحة الإيرانية؟

مع اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، بدأت إيران بدعم النظام السوري سياسيا وعسكريا، وأصبح تسليح النظام بالصواريخ أحد أبرز أوجه هذا الدعم. نقلت طهران تقنيات صاروخية متقدّمة إلى سوريا، مما عزّز مخزون النظام من الصواريخ الباليستية وساهم في تقديم الخبرات التكنولوجية.

استخدمت هذه الصواريخ في ضربات دقيقة ضد المعارضة المسلحة، لا سيما في المناطق الحيوية والاستراتيجية مثل دير الزور، التي اكتسبت أهمية كبرى في الاستراتيجية الإيرانية بسبب موقعها الجغرافي القريب من الحدود العراقية.

في دير الزور، قامت إيران ببناء شبكة من المستودعات والمراكز العسكرية لتخزين الصواريخ والأسلحة المتطورة، وحتى بناء أنفاق بالقرب من الحدود العراقية السورية، وقد مكّنت هذه الترسانة النظام السوري من تحقيق انتصارات عسكرية مؤقتة في مواجهة المعارضة المسلحة، إلا أن وجود الصواريخ الإيرانية في المنطقة أدى إلى تصعيد المواجهات مع إسرائيل التي شنت غارات جوية مكثفة على مواقع الصواريخ الإيرانية.

الصواريخ الإيرانية في دير الزور وغيرها من المناطق السورية لم تُستخدم فقط لتحقيق أهداف عسكرية، بل أصبحت أيضا أداة لتوجيه رسائل إقليمية وتزيد من حدة التوترات بالمنطقة. هذا الدور العسكري لطهران ساهم في إطالة أمد الصراع وزاد من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

هذه الفرضية تقودنا إلى دراسة معمقة لكيفية تأثير الصواريخ الإيرانية على مسار الحرب السورية، وكيف تم استخدامها كأداة لتحقيق الأهداف الإقليمية لطهران، مما يجعل من الضروري النظر في سبل مواجهتها للحد من تداعياتها المستقبلية.

الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها

الترسانة الصاروخية الإيرانية

إيران تمتلك واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ في الشرق الأوسط، حيث طوّرت قدرتها الصاروخية بشكل مستقل بسبب العقوبات المفروضة عليها وعدم قدرتها على الحصول على أسلحة متطورة من الخارج. منذ أواخر الثمانينيات، استثمرت طهران بشكل كبير في تطوير تكنولوجيا الصواريخ، مما أتاح لها إنتاج صواريخ بمختلف المديات، تشمل صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إلى جانب العمل على تطوير صواريخ بعيدة المدى.

أحد الأهداف الرئيسية لطهران كان تأكيد قدرتها على الردع العسكري أمام التهديدات الخارجية، لا سيما من الولايات المتحدة وإسرائيل.

تشمل هذه الترسانة الصواريخ الباليستية، صواريخ كروز، والصواريخ الموجهة. من أبرز الصواريخ التي تعتمد عليها طهران:

  • صواريخ شهاب: تتضمن نماذج مختلفة، مثل “شهاب-1″ و”شهاب-3”. “شهاب-3” هو صاروخ متوسط المدى يُعتقد أن مداه يتراوح بين 1,000 و 2,000 كيلومتر، مما يجعله قادرا على الوصول إلى أهداف في إسرائيل ودول الخليج.
  • صواريخ ذو الفقار: صاروخ باليستي قصير المدى، يُمكنه حمل رؤوس حربية متعددة ويُعتبر واحدا من أكثر الصواريخ دقة في الترسانة الإيرانية.
  • صواريخ فاتح-110: صاروخ باليستي أرض-أرض قصير المدى يُستخدم لضرب أهداف محددة بدقة عالية، وقد أثبت فعاليته في النزاعات الأخيرة في سوريا.

تعتمد طهران على المزج بين التكنولوجيا المحلية والتكنولوجيا التي حصلت عليها من الخارج في مراحل مبكرة من تطوير ترسانتها الصاروخية. في البداية، اعتمدت طهران بشكل كبير على المساعدات الخارجية، لا سيما من كوريا الشمالية والصين، لكن مع مرور الوقت، قامت بتطوير بنيتها التحتية الصناعية لتصبح قادرة على إنتاج الصواريخ محليا.

واحدة من السمات البارزة للصواريخ الإيرانية هي التركيز على تحسين دقة الإصابة، لا سيما مع تطور تكنولوجيا توجيه الصواريخ. أصبحت الصواريخ الإيرانية أكثر قدرة على إصابة أهدافها بدقة، وهو تطور خطير بالنظر إلى توجيهها نحو أهداف مدنية أو بنية تحتية حيوية في دول المنطقة.

كما بدأت طهران في تطوير قدراتها على إنتاج صواريخ تحمل رؤوسا حربية متعدّدة، وتتمتع بقدرات اختراقية متقدّمة لتجنّب الدفاعات الصاروخية، مما يجعلها أكثر خطورة ويصعب التعامل معها عسكريا.

بالنسبة لإيران، تُعتبر الصواريخ أداة استراتيجية حاسمة لعدة أسباب، فهي وسيلة للردع، حيث تتيح لطهران توجيه تهديدات مباشرة لجيرانها دون الحاجة إلى اعتماد كامل على قوات جوية قوية. ثانيا، الصواريخ تسمح لإيران بتجاوز الحدود الجغرافية وتهديد خصومها بشكل مباشر، لا سيما إسرائيل ودول الخليج. كما أنّ الصواريخ تُعتبر أداة للابتزاز السياسي.

إيران تهدّد باستخدام هذه الصواريخ في حال تعرضت لأي هجوم عسكري، مما يخلق حالة من الردع المتبادل ويزيد من تكلفة أي مواجهة محتملة مع القوى الإقليمية أو الدولية.

في النزاع السوري، استخدمت طهران صواريخها لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية، والصواريخ الإيرانية ساعدت في ترسيخ النظام السوري في أماكن كانت مهدّدة بالسقوط، ومنحت طهران نفوذا مباشرا في الصراع، حيث تمكنت من توجيه ضربات نوعية ضد معارضي النظام وحتى ضد القوات الدولية أو الإسرائيلية المتدخلة في سوريا.

دعم إيران العسكري للنظام السوري بالصواريخ والأسلحة المتطورة

منذ تدخّلها في سوريا بتنسيق مع النظام السوري، قامت طهران بتقديم دعم كبير للنظام السوري، وهو دعم لم يقتصر على المساعدات المالية أو المستشارين العسكريين فقط، بل امتد ليشمل تزويد النظام السوري بصواريخ وأسلحة متطورة، والصواريخ الإيرانية أصبحت أداة رئيسية في ترسانة النظام السوري، حيث تم استخدامها لتعزيز قدرات الجيش السوري في مواجهة المعارضة المسلحة.

طهران زودت النظام السوري بصواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى مثل “فاتح-110″ و”ذو الفقار”. هذه الصواريخ لعبت دورا هاما في استهداف المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة. في مناطق مثل حلب وريف دمشق، استُخدمت الصواريخ الإيرانية لضرب معاقل المعارضة المسلحة، مما أدى إلى إحداث دمار واسع وزيادة الخسائر البشرية.

بالإضافة إلى نقل الصواريخ، زودت طهران النظام السوري بالخبرات التقنية اللازمة لإطلاق هذه الصواريخ وتوجيهها بدقة. تمركزت القوات الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها مثل حزب الله في مواقع استراتيجية داخل سوريا، ما منحها القدرة على التحكم في هذه الترسانة الصاروخية واستخدامها لفرض ميزان قوى جديد على الأرض.

أمثلة ملموسة لاستخدام الصواريخ الإيرانية في سوريا:

  1. الهجمات على مناطق المعارضة: في أوقات حاسمة من الصراع، مثل معركة حلب الكبرى في 2016، تم استخدام الصواريخ الإيرانية لضرب مواقع المعارضة المسلحة. هذه الصواريخ كانت قادرة على تدمير البنية التحتية الحيوية للمعارضة، مما أضعف قدرتها على الاستمرار في القتال.
  2. الهجمات على مطار التيفور العسكري: في 2018، شنت إسرائيل غارات جوية على مطار التيفور العسكري بعد تقارير عن نقل طهران لصواريخ إلى هذا المطار لاستخدامها ضد إسرائيل، وكانت هذه الحادثة جزءا من سلسلة من الضربات التي استهدفت مواقع صاروخية إيرانية في سوريا، مما أظهر كيف أصبحت الصواريخ الإيرانية في سوريا جزءا من الصراع الإقليمي الأوسع.
  3. الهجوم على دير الزور في 2017: قامت إيران بإطلاق صواريخ باليستية من داخل أراضيها باتجاه مواقع لتنظيم داعش في محافظة دير الزور السورية، وفي هذا الهجوم، الذي استخدمت فيه إيران صواريخ “ذو الفقار”، كان ردا على الهجمات الإرهابية التي استهدفت طهران. ورغم أنّ الهجوم كان موجهًا ضد داعش، إلا أنه أظهر قدرة طهران على استخدام صواريخها بعيدة المدى لضرب أهداف داخل سوريا من خارج حدودها.

تحليل للبعد العسكري:

الصواريخ الإيرانية لعبت دورا مزدوجا في سوريا، فمن جهة، ساعدت النظام السوري على استعادة السيطرة على العديد من المناطق الاستراتيجية، حيث كانت المعارضة المسلحة تتفوق تكتيكيا في بعض الأحيان، بفضل استخدام الأسلحة التقليدية، لكن دخول الصواريخ الإيرانية غيّر المعادلة، حيث تم استخدامها لضرب مواقع المعارضة من مسافات بعيدة وبدقة عالية، مما جعل من الصعب على المعارضة تنظيم دفاع فعّال.

من جهة أخرى، أدى وجود الصواريخ الإيرانية إلى تصعيد التوترات الإقليمية، خاصة مع إسرائيل، حيث تعتبر إسرائيل أن وجود صواريخ إيرانية في سوريا، وخصوصا في الجنوب السوري بالقرب من الجولان، تهديدا استراتيجيا. هذا دفعها إلى شنّ عدة غارات جوية على مواقع إيرانية ومخازن للصواريخ في سوريا. الصواريخ الإيرانية جعلت من سوريا ساحة للمواجهة المباشرة بين طهران وإسرائيل، مما زاد من تعقيد النزاع وأدى إلى تدخلات إضافية من قوى إقليمية ودولية.

بالإضافة إلى ذلك، استخدمت طهران الصواريخ لتعزيز قوة الميليشيات المتحالفة معها، مثل حزب الله اللبناني، مما زاد من تعقيد ساحة المعركة وأطال أمد الحرب.

تأثير استخدام الصواريخ الإيرانية على المدنيين السوريين

استخدام الصواريخ الإيرانية في النزاع السوري كان له تأثير كارثي على المدنيين، فقد تم استخدام هذه الصواريخ في ضرب المناطق الحضرية الخاضعة لسيطرة المعارضة، مما أسفر عن تدمير البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس والمنازل.

في حلب، الغوطة الشرقية، وإدلب، تسبّبت الصواريخ في خسائر بشرية فادحة، حيث لم تكن دقيقة بما يكفي للتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وهذه الهجمات أدت إلى تهجير جماعي للسكان وتفاقم الأزمة الإنسانية، حيث أُجبر المدنيون على النزوح من المناطق المستهدفة بسبب خطر القصف المستمر.

إلى جانب الخسائر المادية، ساهمت الصواريخ الإيرانية في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والنفسي للمجتمع السوري. لم يعد المدنيون يشعرون بالأمان حتى في المناطق التي كانت بعيدة عن خطوط المواجهة التقليدية، حيث امتدت ضربات الصواريخ لتشمل أماكن كانت تُعتبر آمنة نسبيا. هذه الهجمات المتكررة عززت الشعور بالعجز لدى المدنيين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين القوات النظامية والمعارضة، في ظل استهداف مباشر أو غير مباشر.

الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها

تأثير الصواريخ الإيرانية على استقرار المنطقة

وجود الصواريخ الإيرانية في سوريا لم يؤثر فقط على الصراع الداخلي، بل زاد من توتر العلاقات الإقليمية، فإسرائيل تعتبر وجود هذه الصواريخ تهديدا استراتيجيا، لا سيما الصواريخ الموجهة نحو مرتفعات الجولان المحتلة أو تلك التي يمكن أن تُستخدم لضرب العمق الإسرائيلي.

في هذا السياق، شنت إسرائيل عشرات الغارات الجوية على مواقع إيرانية في سوريا، مستهدفة مخازن الأسلحة ومواقع الإطلاق التي يُعتقد أنها تحتوي على صواريخ باليستية. هذا أدى إلى تصعيد الموقف بين تل أبيب وطهران على الأرض السورية، مما زاد من احتمال نشوب مواجهة أوسع في المنطقة.

دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تنظر إلى الوجود الصاروخي الإيراني في سوريا باعتباره جزءًا من مشروع طهران الإقليمي للهيمنة.

الصواريخ التي تصل إلى الحوثيين في اليمن، والتي يُعتقد أن طهران تدعمهم، تُعتبر امتدادا لهذا التهديد، ومع تصاعد النزاع في سوريا وتوسع نفوذ طهران، أصبح هناك قلق متزايد في الخليج من أن الصواريخ الإيرانية قد تستخدم لتوسيع نفوذ طهران وتثبيت وجودها العسكري في المشرق العربي، وهو ما يزيد من تعقيد التوازنات الأمنية في المنطقة.

الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها

تصعيد المواجهات مع إسرائيل

التوتر بين إسرائيل وإيران في سوريا بلغ ذروته نتيجة لوجود الصواريخ الإيرانية، فإيران استغلت الأراضي السورية لنقل وتخزين صواريخ متطورة يمكن أن تُستخدم ضد إسرائيل، وهو ما أثار قلقا كبيرا لدى القيادة الإسرائيلية.

الرد الإسرائيلي كان سريعا وحاسما، مع استهداف مستمر لمواقع الصواريخ الإيرانية والميليشيات التابعة لها، مثل حزب الله. في مايو 2018، شنّت إسرائيل واحدة من أكبر الضربات الجوية على مواقع إيرانية في سوريا ردا على إطلاق صواريخ من الأراضي السورية باتجاه الجولان. هذا التصعيد المتبادل أظهر كيف يمكن أن يؤدي وجود الصواريخ الإيرانية في سوريا إلى إشعال صراع إقليمي أوسع.

تحفيز سباق التسلح:

وجود الصواريخ الإيرانية في سوريا أسهم في تحفيز سباق تسلح جديد في المنطقة. دول مثل إسرائيل والسعودية بدأت في تحديث قدراتها الدفاعية والهجومية لمواجهة التهديد الإيراني. على سبيل المثال، عززت إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” لحماية أراضيها من هجمات الصواريخ. في المقابل، تستمر طهران في تحسين تكنولوجيا صواريخها وزيادة مدى ودقة هذه الصواريخ، مما يعمق من سباق التسلح الذي يهدد استقرار المنطقة.

الدور الإيراني في تصعيد التوترات مع القوات الدولية:

إيران لم تستخدم الصواريخ فقط ضد المعارضة السورية أو في مواجهتها مع إسرائيل، بل استهدفت أيضًا القوات الدولية الموجودة في سوريا. في عام 2020، استهدفت القوات الإيرانية بصواريخ باليستية قاعدة عين الأسد في العراق، التي كانت تضم قوات أمريكية، في رد انتقامي على اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

هذا الهجوم، رغم أنه وقع في العراق، إلا أنه يبرز التهديد الذي تشكله الصواريخ الإيرانية على القوات الأجنبية المنتشرة في المنطقة، بما في ذلك سوريا. استخدام الصواريخ ضد القوات الدولية يزيد من تعقيد الأوضاع في سوريا ويضع المنطقة في خطر اندلاع نزاعات أوسع مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة.

باختصار، الصواريخ الإيرانية لم تقتصر تأثيراتها على المعركة بين النظام السوري والمعارضة، بل امتدت لتشمل دولًا أخرى، وأسهمت في تصعيد التوترات الإقليمية، وزيادة المخاطر الأمنية في الشرق الأوسط بشكل عام.

أمثلة على استهداف الصواريخ الإيرانية للقوات الدولية في سوريا

1. الهجمات على قاعدة التنف (2017 و 2018):

  • الهجوم الأول (نيسان/أبريل 2017): في أبريل 2017، شنت إيران هجوما بصواريخ من نوع “فاتح-110” على قاعدة التنف العسكرية، التي كانت تحت إدارة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتقع في منطقة الصحراء الشرقية من سوريا. الهجوم لم يتسبب في أضرار كبيرة، ولكنه كان رسالة واضحة من طهران بقدرتها على ضرب المواقع العسكرية الدولية في سوريا.
  • الهجوم الثاني (فبراير 2018): في فبراير 2018، شنت إيران هجوما آخر على القاعدة نفسها بصواريخ قصيرة المدى. هذه المرة كان الهجوم أكثر دقة وأدى إلى إلحاق أضرار بالموقع. الهجوم كان جزءا من سلسلة من الهجمات التي تستهدف مواقع التحالف الدولي في شرق الفرات.

2. الهجمات على قاعدة عين الأسد (2020):

الهجوم على قاعدة عين الأسد في العراق: رغم أن هذا الهجوم وقع في العراق وليس في سوريا، فهو يعكس مدى التصعيد الذي تشهده المنطقة.

الهجوم بصواريخ باليستية من إيران جاء كأحد الردود على اغتيال قاسم سليماني. قاعدة عين الأسد كانت تضم قوات أمريكية، والاعتداء أظهر قدرة طهران على تنفيذ عمليات صاروخية ضد مصالح دولية في المنطقة. هذا النوع من الهجمات يزيد من تعقيد الوضع في سوريا ويعكس استعداد إيران لاستهداف القوات الدولية هناك.

3. الهجمات على قاعدة كونيكو (2020):

الهجوم بالصواريخ: في 2020، استهدفت إيران أو الميليشيات المتحالفة معها قاعدة كونيكو للغاز في شمال شرق سوريا، التي كانت تحت سيطرة قوات التحالف الدولي. الهجوم بالصواريخ أظهر كيف أن الصواريخ الإيرانية يمكن أن تُستخدم لتهديد المواقع العسكرية الدولية بشكل مباشر.

4. الهجمات على مواقع التحالف شرق الفرات (2021):

الهجمات المتكررة: في العام 2021، شهدت مناطق شرق الفرات سلسلة من الهجمات بالصواريخ على مواقع التحالف الدولي. هذه الهجمات كانت تستهدف قواعد عسكرية ومخازن أسلحة، مما دفع التحالف للرد بعمليات عسكرية ودفاعية. الهجمات التي طالت القوات الأمريكية وقوات التحالف الأخرى كانت مدفوعة جزئياً بالرغبة الإيرانية في زيادة الضغط على الوجود الدولي في سوريا.

وتستمر الهجمات ضدّ التحالف في شرق الفرات في كلّ فترة، ولأسباب مختلفة وبرسائل متعدّدة في الغالب.

الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها

تأثير هذه الهجمات على الوضع العسكري في سوريا

الهجمات على القوات الدولية والمواقع العسكرية تعكس التصعيد المستمر في النزاع السوري، حيث تسعى إيران إلى تأكيد نفوذها عبر استخدام الصواريخ كأداة للضغط العسكري. هذه الهجمات لم تؤدي فقط إلى تصعيد التوترات بين طهران والقوى الدولية، بل ساهمت أيضا في تعزيز حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وجعلت الوضع العسكري أكثر تعقيدا.

استخدام الصواريخ كأداة للضغط على القوات الدولية يعكس مدى تداخل الأبعاد الإقليمية والدولية في النزاع السوري ويعزز من المخاوف من تصعيد أكبر في المستقبل.

التمييز بين أنواع الصواريخ التي استخدمتها إيران في سوريا:

الصواريخ الإيرانية في سوريا تشمل أنواعا متعدّدة ذات قدرات مختلفة، ويتم تصنيفها بشكل رئيسي إلى صواريخ قصيرة المدى وصواريخ طويلة المدى. كلّ نوع من هذه الصواريخ له تأثيرات واستراتيجيات استخدام مختلفة، وساهم بشكل متباين في النزاع السوري.

1. الصواريخ قصيرة المدى:

أ. الصواريخ المستخدمة:

فاتح-110: صاروخ باليستي قصير المدى بمدى يتراوح بين 200 و300 كيلومتر، وهو مصمم لإصابة أهداف ثابتة بدقة.

ذو الفقار: صاروخ باليستي قصير المدى يتميز بقدرته على حمل رؤوس حربية متعددة، ويُستخدم في ضرب أهداف ذات قيمة استراتيجية.

ب. التأثير العسكري:

  • ضربات دقيقة ومباشرة: الصواريخ قصيرة المدى، مثل فاتح-110 وذو الفقار، تُستخدم لاستهداف مواقع عسكرية مهمة تابعة للمعارضة أو أهداف استراتيجية للنظام السوري. تُعتبر هذه الصواريخ فعالة في الهجمات على المدن الكبرى أو القرى الاستراتيجية حيث يتم التركيز على إحداث أكبر قدر من الدمار والضغط على المقاومة.
  • استهداف المواقع الميدانية: تستهدف الصواريخ قصيرة المدى في كثير من الأحيان المواقع العسكرية المتقدمة والمعسكرات التابعة للمعارضة، مما يساعد النظام السوري في تعزيز قبضته على المناطق المحورية.

ج. التأثير الإنساني:

  • دقة عالية مع تأثير كبير: استخدام الصواريخ قصيرة المدى في المناطق المدنية غالبا ما يؤدي إلى أضرار جسيمة، بما في ذلك الخسائر البشرية وتدمير الممتلكات، وكانت الهجمات على المناطق المأهولة بالسكان أكثر قسوة، مما زاد من معاناة المدنيين وعمّق الأزمة الإنسانية.

أمثلة واقعية على استخدام الصواريخ قصيرة المدى في سوريا:

1. الهجمات على حلب (2016-2017):

استخدام صواريخ فاتح-110: خلال معركة حلب الكبرى، استخدمت قوات النظام السوري صواريخ فاتح-110 لضرب مناطق تحت سيطرة المعارضة المسلحة. هذه الصواريخ كانت تستهدف الأحياء المدنية ومراكز المقاومة، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق وخسائر بشرية كبيرة. الهجمات أدت إلى تهجير أعداد كبيرة من المدنيين وزيادة المعاناة الإنسانية في المدينة.

2. الهجمات على الغوطة الشرقية (2018):

استهداف مناطق سكنية: في الغوطة الشرقية، استخدمت الصواريخ الإيرانية قصيرة المدى، مثل ذو الفقار، لاستهداف المناطق السكنية والبنية التحتية. الهجمات أسفرت عن أضرار كبيرة في المباني والمستشفيات، وفرضت حصارا خانقا على المدنيين المحاصرين. القصف المتواصل بالصواريخ قصير المدى زاد من تدهور الوضع الإنساني وأدى إلى حالات نزوح جماعي.

3. الهجمات على إدلب (2019):

صواريخ باليستية قصيرة المدى: في صيف 2019، استهدفت القوات الموالية للنظام السوري إدلب باستخدام صواريخ قصيرة المدى. الهجمات طالت المناطق السكنية والأسواق، مما أسفر عن دمار واسع النطاق وسقوط ضحايا مدنيين. كانت الصواريخ تُستخدم بشكل مكثف لإضعاف دفاعات المعارضة وتفكيك قدراتها العسكرية.

الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها

2. الصواريخ طويلة المدى:

أ. الصواريخ المستخدمة:

  • شهاب-3: صاروخ باليستي متوسط إلى بعيد المدى بمدى يتراوح بين 1,000 و2,000 كيلومتر، يُستخدم لضرب أهداف على مسافات أبعد.
  • صواريخ كروز: إيران طورت أيضا صواريخ كروز التي يمكنها ضرب أهداف على مسافات تصل إلى 1,500 كيلومتر.

ب. التأثير العسكري:

  • التهديد الإقليمي: الصواريخ طويلة المدى تُستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز حدود الصراع المحلي، مثل تهديد الدول المجاورة أو التأثير على توازن القوى الإقليمي. على سبيل المثال، يمكن استخدام صواريخ شهاب-3 لاستهداف مواقع في إسرائيل أو دول الخليج من داخل الأراضي السورية.
  • استهداف المواقع الاستراتيجية: تُستخدم هذه الصواريخ لضرب مواقع ذات أهمية عالية، مثل قواعد التحالف الدولي أو البنية التحتية الاستراتيجية، مما يضع مزيدا من الضغط على القوى الدولية ويدفعها إلى اتخاذ إجراءات دفاعية.

ج. التأثير الإنساني:

خطر بعيد المدى: رغم أن الصواريخ طويلة المدى نادرا ما تُستخدم ضدّ الأهداف المدنية بشكل مباشر، فإن قدرتها على ضرب أهداف استراتيجية تؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة على السكان، مثل تدمير المنشآت الحيوية وتسبب في تهجير السكان.

أمثلة واقعية على استخدام الصواريخ طويلة المدى في سوريا:

1. الهجوم على قاعدة التنف (فبراير 2018):

استخدام صواريخ شهاب-3: في فبراير 2018، شنت إيران هجومًا بصواريخ شهاب-3 على قاعدة التنف التي تديرها قوات التحالف الدولي.

الهجوم استهدف القاعدة الواقعة في منطقة الصحراء الشرقية من سوريا، وهي منطقة استراتيجية كانت تستخدم كموقع للعمليات ضد تنظيم داعش.

الهجوم بالصواريخ طويلة المدى أظهر قدرة إيران على تهديد القوات الدولية من مسافات بعيدة.

2. الهجمات على قاعدة K-1 في شمال العراق (2021):

إطلاق صواريخ من إيران: رغم أن هذه الهجمات وقعت في العراق، إلا أنها تضمنت صواريخ يمكن أن تكون من النوع الذي قد يُستخدم في سوريا أيضًا.

الهجمات على قاعدة K-1، التي كان يتمركز بها جنود أمريكيون، أبرزت قدرة إيران على تنفيذ عمليات صاروخية عبر الحدود، مما يعكس قدرتها على تهديد القوات الدولية في المنطقة.

3. الهجمات على أهداف في شمال شرق سوريا (2021-2022):

استخدام صواريخ كروز: في 2021 و2022، استخدمت طهران أو الميليشيات المدعومة منها صواريخ كروز لاستهداف مواقع عسكرية في شمال شرق سوريا.

الهجمات استهدفت قواعد التحالف الدولي والبنية التحتية الاستراتيجية، مما تسبب في أضرار كبيرة وأثّر على العمليات العسكرية للتحالف.

الترسانة الصاروخية الإيرانية.. ذراع طهران الطويلة خارج أراضيها

المقارنة بين الصواريخ قصيرة المدى وطويلة المدى:

  • المدى والدقة: الصواريخ قصيرة المدى تركز على الدقة في الأهداف القريبة وتؤثر بشكل مباشر على مواقع قريبة من خطوط المواجهة. بينما الصواريخ طويلة المدى تستخدم لتحقيق أهداف على مسافات أبعد ولها تأثير أكبر على المستوى الإقليمي.
  • الاستراتيجية والتكتيك: الصواريخ قصيرة المدى تُستخدم بشكل أساسي في تكتيكات المعركة اليومية ضد القوات المعارضة أو لتعزيز مواقع النظام. أما الصواريخ طويلة المدى فتُستخدم كجزء من استراتيجيات أكبر، تهدف إلى تحقيق تأثيرات بعيدة المدى على المستوى الإقليمي أو ضد القوات الدولية.
  • التأثيرات الإنسانية: الصواريخ قصيرة المدى غالبا ما تسبب أضرارا أكبر في المناطق المدنية القريبة من مواقع الصواريخ، بينما الصواريخ طويلة المدى تؤثر بشكل أكبر على الأهداف الاستراتيجية وتسبب آثارا غير مباشرة على المدنيين من خلال استهداف البنية التحتية.

فالصواريخ الإيرانية في سوريا تتنوع بين قصيرة وطويلة المدى، ولكل نوع منها تأثيرات واستراتيجيات استخدام محددة. الصواريخ قصيرة المدى تُستخدم لتحقيق أهداف تكتيكية وتعزيز الوضع العسكري للنظام السوري، بينما الصواريخ طويلة المدى تلعب دورا في تحقيق أهداف استراتيجية والتأثير على التوازن الإقليمي. فهم هذه الاختلافات يساعد في تقديم صورة أوضح عن كيفية تأثير الصواريخ الإيرانية على النزاع في سوريا والآثار المترتبة على الاستقرار الإقليمي.

الردود الدولية والسياسات لمواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية في سوريا

1. الردود العسكرية:

أ. إسرائيل:

  • الغارات الجوية: إسرائيل نفذت سلسلة من الغارات الجوية على مواقع إيرانية في سوريا، مثل الهجوم على مطار التيفور في أبريل 2018، الذي استهدف منشآت إيرانية تستخدم لتخزين الأسلحة وصواريخ موجهة للميليشيات الموالية لإيران. هذه الغارات كانت تهدف إلى تقليص قدرة إيران على تهديد أمن إسرائيل من الأراضي السورية، وأظهرت قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات هجومية دقيقة ضد الأهداف الإيرانية.
  • الأنظمة الدفاعية: على الرغم من أن الغارات الجوية تعكس الجانب الهجومي، إلا أن إسرائيل أيضا قامت بتعزيز دفاعاتها من خلال أنظمة مثل (القبة الحديدية) و(مقلاع داوود) للتصدي لأي صواريخ قد تطلق من الأراضي السورية باتجاهها. هذه الأنظمة ساعدت في حماية المدن الإسرائيلية من الهجمات الصاروخية الإيرانية.

ب. التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة:

  • الرد على الهجمات: في يونيو 2021، رد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على هجمات صاروخية من ميليشيات مدعومة من إيران على قاعدة التنف في شرق سوريا. التحالف عزز من إجراءات الحماية في القاعدة ونفذ عمليات استخباراتية لاحتواء التهديدات المتزايدة.
  • العمليات العسكرية: التحالف الدولي قصف مواقع لميليشيات إيرانية في شمال شرق سوريا، كما في الهجوم الذي استهدف ميليشيات مدعومة من إيران بالقرب من دير الزور في أغسطس 2021. هذه العمليات كانت تهدف إلى تقليص قدرات تلك الميليشيات على تهديد قوات التحالف.

2. الردود الدبلوماسية:

أ. الولايات المتحدة:

العقوبات: فرضت الولايات المتحدة عقوبات على طهران وعلى شركات وأفراد متورطين في تطوير ونقل الصواريخ إلى سوريا. هذه العقوبات تهدف إلى تقليص تمويل الأنشطة العسكرية الإيرانية ومنع تصعيد التهديدات.
الدبلوماسية: الولايات المتحدة تعمل على تعزيز التعاون مع حلفائها في المنطقة، بما في ذلك الدول العربية وإسرائيل، لمواجهة التهديدات الإيرانية. الاجتماعات الدبلوماسية والمفاوضات تهدف إلى التنسيق في مجال الاستخبارات وتعزيز الأمن الإقليمي.

ب. الأمم المتحدة:

الدعوات للهدوء: الأمم المتحدة دعت إلى خفض التصعيد في سوريا من خلال قرارات مجلس الأمن التي تدعو لوقف استخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ ضد المناطق المدنية. على الرغم من التحديات في تنفيذ هذه القرارات، فإنها تعكس جهود المجتمع الدولي لتقليل الأثر الإنساني للصراع.

3. التدابير الاستراتيجية والتعاون الإقليمي:

1. التعاون الإقليمي:

أ. العلاقات بين الدول الخليجية وإسرائيل:

التحالفات الأمنية: بعد تصاعد التهديدات الإيرانية، قامت بعض الدول الخليجية بتعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل. هذا التعاون يتضمن تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الأنشطة الإيرانية والصواريخ. الاجتماعات الأمنية المشتركة والتعاون في مجال الدفاع أسهم في تحسين الاستجابة للتهديدات الإيرانية.

ب. تعزيز القدرات الدفاعية:

أنظمة الدفاع: دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، قامت بشراء أنظمة دفاعية مثل “ثاد” و”باتريوت” لتعزيز قدراتها ضد الصواريخ الإيرانية. هذه الأنظمة تساعد في التصدي للهجمات الصاروخية المحتملة من الأراضي السورية وتوفير الحماية للمناطق الحيوية.

2. استراتيجيات المواجهة:

أ. استراتيجية “الردع”:

تعزيز الردع: تعزيز القدرات العسكرية الاستراتيجية لتأكيد الردع ضد أي هجمات صاروخية. الدول المعنية تعمل على تطوير استراتيجيات دفاعية وهجومية لردع طهران عن استخدام الصواريخ في سوريا ضد الأهداف الإقليمية والدولية.

ب. المراقبة والتقنيات المتقدمة:

الرصد والتقنيات: تحسين تقنيات المراقبة للكشف عن الصواريخ الإيرانية وطرق نقلها إلى سوريا. استخدام التكنولوجيا المتقدمة لمراقبة الأنشطة الإيرانية يساعد في تعزيز القدرات الدفاعية والاستجابة السريعة للتصعيدات المحتملة.

التأثيرات على سياسات المنطقة:

التهديدات الإيرانية المستمرة دفعت دول المنطقة إلى إعادة تقييم علاقاتها وتحالفاتها بشكل جذري. في مواجهة هذه التهديدات، شهدنا تعزيز التعاون بين الدول السنية وإسرائيل، وهو تحالف غير تقليدي ظهر كرد فعل استراتيجي لمواجهة التهديدات المشتركة. التحالفات الأمنية الجديدة والتعاون الدفاعي يعكسان تحولًا في السياسات الإقليمية، حيث تسعى هذه الدول إلى حماية نفسها من التصعيد الإيراني في سوريا، مما يخلق بيئة دفاعية أكثر تنسيقا وتعاونا.

في إطار أوسع، تسهم الصواريخ الإيرانية في تصعيد الصراع الإقليمي، مما يزيد من تعقيد الوضع العسكري في المنطقة ويؤدي إلى تدخلات متزايدة من القوى الكبرى والمنظمات الدولية. هذه التدخلات ليست فقط نتيجة لتدهور الوضع الأمني، بل أيضا لموازنة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.

على المستوى الدولي، بدأت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، في تعديل استراتيجياتها استجابةً للتهديدات الإيرانية. مع تزايد المخاطر المرتبطة بالصواريخ الإيرانية، من المحتمل أن نشهد تعديلات كبيرة في السياسات الخارجية لهذه الدول، بما في ذلك تعزيز التدخلات العسكرية أو السعي إلى تقليل المخاطر من خلال الاستقرار الإقليمي.

أما الدبلوماسية الدولية، فتتجه نحو الحلول السياسية متعددة الأطراف كوسيلة لتخفيف التوترات. تسعى الدول الكبرى إلى إيجاد حلول من خلال التفاوض والمبادرات السياسية التي يمكن أن تساهم في إحلال سلام مستدام في المنطقة، مما يعزز من استقرار الأوضاع ويمنع التصعيد العسكري المستمر.

التحديات القائمة في مواجهة الصواريخ الإيرانية:

التحديات العسكرية: التي تفرضها الصواريخ الإيرانية في سوريا تتسم بالتعقيد والتنوع. من أبرز تلك التحديات هو الانتشار الواسع لهذه الصواريخ في مناطق متعددة، بما في ذلك المناطق النائية والصحراوية. هذا الانتشار يجعل عملية تتبع الصواريخ وتدميرها مهمة صعبة للقوى الدولية، حيث أن الصواريخ الإيرانية موزعة بشكل استراتيجي يصعّب على أي قوة استهدافها بفعالية. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد إيران والميليشيات الموالية لها على تقنيات متقدمة للحماية والتعتيم، حيث تستخدم المنشآت المدنية كمواقع لإطلاق الصواريخ. هذا الأسلوب يجعل من الصعب على القوات الدولية توجيه ضربات دقيقة دون التسبب في خسائر بين المدنيين، مما يزيد من تعقيد العمليات العسكرية ضد تلك الصواريخ.

من ناحية أخرى، التطور التكنولوجي المستمر للصواريخ الإيرانية يفرض تحديات جديدة على الأنظمة الدفاعية. طهران تستثمر بشكل كبير في تحسين دقة التوجيه وزيادة مدى صواريخها، وهو ما يرفع من مستوى التهديد ويصعّب التصدي لها. ورغم وجود أنظمة دفاعية متقدمة مثل “القبة الحديدية” و”ثاد”، فإن التكنولوجيا المتطورة التي تمتلكها الصواريخ الإيرانية تتطلب استثمارا مستمرا في البحث والتطوير لمواكبتها. مواجهة هذه التحديات التقنية تحتاج إلى تحديث دائم للأنظمة الدفاعية، لضمان قدرتها على التصدي لتلك التهديدات المتزايدة.

التحديات السياسية والدبلوماسية: التي تواجه مواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية في سوريا تتشابك مع الانقسامات الإقليمية والدولية. على المستوى الإقليمي، تبرز الخلافات السياسية بين الدول حول كيفية التعامل مع طهران، حيث يختلف نهج كل دولة بناءً على مصالحها الخاصة. هذه الانقسامات تعرقل جهود التنسيق الفعّال بين الدول المتحالفة لمواجهة التهديدات الإيرانية بشكل موحد، مما يضعف إمكانية وضع استراتيجيات متسقة للتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة.

على الصعيد الدولي، التوترات بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تضيف بعدًا آخر للتحديات. المنافسة الجيوسياسية بين هذه القوى تؤثر سلبًا على فعالية الجهود الدبلوماسية المشتركة وتحد من إمكانية التوصل إلى استراتيجيات تعاون دولي لمواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية. غياب التوافق الدولي يضعف من القدرة على تقديم ردود دبلوماسية حاسمة وفعالة.

من جانب آخر، تُطرح الأزمات الإنسانية كأحد أكبر التحديات المرتبطة بالعمليات العسكرية ضد مواقع الصواريخ الإيرانية. استهداف تلك المواقع قد يؤدي إلى أضرار جانبية تؤثر بشكل مباشر على المدنيين، وهو ما يفرض ضرورة تحقيق توازن دقيق بين حماية الأمن القومي والحد من الأضرار الإنسانية. هذا يتطلب استراتيجيات عسكرية مدروسة ومراقبة دقيقة لضمان عدم المساس بسلامة المدنيين خلال العمليات العسكرية، وهو ما يضيف بعدًا حساسًا إلى كل خطوة تتخذ على الأرض.

الآفاق المستقبلية:

الاستراتيجيات المستقبلية لمواجهة التهديدات الصاروخية الإيرانية تعتمد على تعزيز التعاون الإقليمي وتطوير تقنيات دفاعية متقدمة. من ناحية، تعزيز التحالفات بين الدول الإقليمية بات أمرا ضروريا لمواجهة هذه التهديدات بشكل أكثر فعالية. بناء تحالفات أوسع يتضمن تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يساهم في تحسين الاستجابة للتحديات الصاروخية ويزيد من التنسيق بين الدول المتضررة من النفوذ الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون الدفاعي المشترك وتطوير استراتيجيات دفاعية موحدة يمكن أن يؤدي إلى تحسين أنظمة الدفاع الصاروخي وتعزيز قدرة الرصد والمراقبة.

على الصعيد التكنولوجي، يتطلب التصدي للصواريخ الإيرانية الاستثمار في تطوير أنظمة دفاعية جديدة وتحسين الأنظمة الحالية. التركيز على تحسين دقة الرصد والاستجابة السريعة يعد أساسيًا لتعزيز قدرة التصدي للتهديدات الصاروخية. كما أن الابتكار في مجال الدفاع الصاروخي، مثل تقنيات الليزر والأسلحة الكهرومغناطيسية، قد يوفر حلولًا مستقبلية أكثر فعالية في مواجهة الصواريخ المتطورة التي تستخدمها طهران.

فيما يخص الجهود الدبلوماسية المستقبلية، هناك حاجة لتعزيز المفاوضات الدولية بهدف التوصل إلى اتفاقات تحد من تطوير ونقل الصواريخ الإيرانية. الاتفاقيات الدولية يمكن أن تلعب دورا مهما في الحد من التصعيد الإقليمي وتقليل التهديدات. إلى جانب ذلك، زيادة الضغط الدولي على طهران من خلال العقوبات الدبلوماسية قد يسهم في تقييد برامجها الصاروخية.

كما أن دعم الجهود الإنسانية في المناطق المتضررة يعد أساسيا لتخفيف آثار الصراع على المدنيين. تحسين الأوضاع الإنسانية يعزز الاستقرار ويقلل من تأثير الصراع على المدى الطويل. وأخيرًا، فإن تعزيز الرقابة الدولية لمتابعة الأنشطة الصاروخية الإيرانية سيساعد في ضمان الالتزام بالاتفاقيات ومنع تصاعد التهديدات الإقليمية، مما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

التوقعات والتوجهات المستقبلية:

توقعات التصعيد أو التهدئة تتأرجح بين عدة احتمالات مرتبطة بالتطورات الحالية في المنطقة. على صعيد التصعيد، يبدو أن طهران قد تستمر في تعزيز قدراتها الصاروخية، من خلال تطوير تقنيات جديدة وزيادة استثماراتها في الصواريخ بعيدة المدى. هذا التوجه قد يؤدي إلى تصاعد التوترات في المستقبل، خاصة إذا زادت طهران من إطلاق صواريخها من مواقع متقدمة داخل سوريا. مع كل خطوة تتخذها إيران نحو تحسين بنيتها التحتية العسكرية، يرتفع مستوى التهديد الإقليمي، مما قد يفتح الباب أمام تدخلات دولية إضافية وتصعيد أوسع للصراع.

على الجانب الآخر، هناك فرص للتهدئة من خلال الجهود الدبلوماسية، حيث يمكن أن تسهم المفاوضات الدولية في تقليل التصعيد. التعاون بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، والدول الإقليمية المتضررة من التهديدات الصاروخية الإيرانية، قد يفتح المجال لحلول سلمية. هذه الجهود قد تؤدي إلى اتفاقيات تساهم في تهدئة الوضع وتقليل التوترات العسكرية في المنطقة، ما يعزز احتمالات الاستقرار الإقليمي.

أما بالنسبة للتأثيرات طويلة الأمد، فإن الاستراتيجيات المستقبلية التي يتم تطويرها لمواجهة الصواريخ الإيرانية ستحمل أثرًا عميقًا على الاستقرار الإقليمي. تحسين استراتيجيات الدفاع وتطوير أنظمة رصد فعّالة يمكن أن يساعد في تعزيز الأمن على المدى الطويل. في نفس الوقت، تحقيق تقدم في الجهود الدبلوماسية قد يسهم في تقليل فرص التصعيد المستقبلي.

على المستوى الدولي، تطورات الصراع الإيراني وتأثيرات الصواريخ قد تترك بصمتها على العلاقات بين القوى الكبرى والدول الإقليمية. إدارة هذه التهديدات والأزمات بشكل فعّال يمكن أن يحسّن التعاون الدولي ويقوي العلاقات بين الدول، مما يعزز الاستقرار على المدى الطويل.

أدلّة ميدانية لأسلحة إيران في شرق سوريا

المستودعات والتخزين

تُعتبر الميليشيات الإيرانية في سوريا واحدة من أبرز الجهات التي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة. ورغم أن لديها مخازن ضخمة ومخارط لتصنيع قذائف الهاون والصواريخ محليا، إلا أن استخدامها للصواريخ بعيدة المدى كان محدودا للغاية.

ومن حين لآخر، تم إطلاق صواريخ بالستية من مناطق مثل معبر عكاشات، بالإضافة إلى صواريخ محلية من البادية الممتدة بين الميادين والعشارة، لكن مع تكرار استهداف قوات التحالف لقواعدها وتكبدها خسائر كبيرة، اضطرت طهران إلى تغيير استراتيجيتها.

تتركز أكبر مستودعات الأسلحة التابعة للميليشيات الإيرانية في معسكرات “فاطميون” بمدينة تدمر. هذه المستودعات تضم جميع أنواع الصواريخ، بما في ذلك صواريخ روسية.

أما المستودعات الأخرى المهمة فهي مستودعات عياش، التي تعرضت لأضرار نتيجة الغارات الإسرائيلية والأمريكية، لكنها ما زالت تمثل نقطة محورية لتجميع الصواريخ قبل توزيعها، وهذه المستودعات محمية بأنفاق وغرف أرضية لتجنب الاستهداف، كما تم تحويل جزء من اللواء 137 إلى مستودع للسلاح ومكان للتدريب بعيدا عن رقابة قوات التحالف.

في دير الزور، تسيطر ميليشيا الحرس الثوري بشكل كامل على مناطق واسعة، بما في ذلك شارع بورسعيد، والأحياء الشرقية مثل العمال والرصافة، حيث أنشأت الميليشيات عشرات المراكز ومستودعات السلاح بين هرابش والميادين، وصولا إلى مطار دير الزور العسكري.

الأنفاق

تعد الأنفاق التي بدأت داعش بحفرها في قلعة الرحبة والميادين واحدة من أهم الوسائل التي تستخدمها الميليشيات الإيرانية لتخزين الأسلحة وحمايتها من الاستهداف. هذه الأنفاق محمية بإجراءات أمنية صارمة، حيث تم تحويل المناطق المحيطة بالقلعة إلى مناطق أمنية، مع وضع عناصر متنكرين كرعاة أغنام لتفادي استهدافهم.

أهم مراكز الميليشيات في البوكمال

تنتشر مستودعات الأسلحة بين المدنيين في البوكمال، مما يشكل خطرا كبيرا عليهم.

من بين أبرز تلك المستودعات، مخزن ذخائر يقع في منطقة مدنية على أطراف المدينة، وهو تحت حماية ميليشيا “زينبيون” الباكستانية، بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الميليشيات مدارس البوكمال كمستودعات للذخيرة وثكنات عسكرية.

بجانب هذه المواقع، توجد مستودعات أصغر أيضا في التجمعات المدنية وتخضع بعضها لحماية “حزب الله”. كما يوجد مستودع آخر عند مدخل البوكمال الغربي، داخل حاجز تسيطر عليه ميليشيا “زينبيون”.

إضافة إلى ذلك، هناك مستودعات عسكرية أكبر حجما، مثل مستودع أقيم في أحد المشافي التي تحولت إلى مقرّ عسكري رئيسي للفوج 47 التابع للحرس الثوري الإيراني، ويعد من المواقع الاستراتيجية المهمة.

الميادين

الوضع في مدينة الميادين مختلف قليلا عن البوكمال بسبب وجود القوات الروسية، ما يدفع طهران إلى تقليل مقراتها في وسط المدينة والانتقال إلى البادية وأطراف المدينة، ومع ذلك، تظل بعض المقرات الإيرانية نشطة داخل المدينة، مثل مدرسة عبد المنعم رياض التي تم تحويلها إلى مقر للحرس الثوري ومرآب لآلياته، نظرا لقربها من نهر الفرات وجسر الميادين.

ورغم أن مدرسة عائشة في شارع الأربعين تعرضت لدمار كبير، إلا أنها كانت مقرا للحرس الثوري قبل أن يتم الانسحاب منها مؤخرا، كما استخدمت الميليشيات مدرسة الصناعة كمستودع ومشفى ميداني قبل أن يتم نقل المشفى إلى شارع الأربعين، حيث تم افتتاح مشفى “الشفاء” في منزل مدني مستولى عليه.

أنواع الصواريخ

في عام 2022، أدخلت الميليشيات الإيرانية مجموعة من صواريخ “بركان”، عبر القيادي أبو علي الكروي، وتم توزيعها في الميادين وإخفاؤها في مستودعات متعددة. خلال نفس الفترة، أدخلت طهران مجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية، وكانت هذه الدفعة من الأسلحة هي الأكبر التي تم إدخالها إلى سوريا حتى الآن.

الدفعة الثانية من الصواريخ تم إدخالها إلى سوريا خلال استغلال طهران لحادثة الزلزال، بحجة تقديم مساعدات للشعب السوري، وقد كانت هذه الدفعة تشمل معدات لتصنيع القذائف والصواريخ المحلية.

وتتنوع الصواريخ التي تستخدمها إيران كالتالي:

  1. الصواريخ الباليستية: تُستخدم بشكل محدود.
  2. صواريخ كاتيوشا الروسية: حصلت عليها إيران من روسيا أو من مستودعات النظام السوري.
  3. الصواريخ المحلية قصيرة ومتوسطة المدى: تُستخدم بشكل كبير نظرًا لانخفاض تكلفتها.
  4. الصواريخ الحرارية: تُستخدم في نقاط المواجهة مع فصائل المعارضة السورية وفي البادية.
  5. الصواريخ المحمولة على الطائرات المسيّرة: تُستخدم داخل الطائرات المسيّرة أو الطائرات المفخخة.

نظرة أخيرة

تُعتبر ترسانة الصواريخ الإيرانية في سوريا واحدة من أبرز التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة والعالم اليوم. من خلال دعمها الواسع للنظام السوري وتوفير الأسلحة المتطورة والقدرات الصاروخية، تسهم طهران بشكل كبير في تعقيد الصراع السوري وإطالة أمده، مما يزيد من معاناة المدنيين ويعزز التوترات الإقليمية.

الصواريخ الإيرانية، سواء القصيرة أو طويلة المدى، لا تؤدي فقط إلى تفاقم الأزمات الإنسانية ولكنها تشكل أيضًا تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي والدولي. الهجمات على المواقع العسكرية لقوات التحالف الدولي، والتصعيد المستمر ضد القوات الإسرائيلية، والتأثير المباشر على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، تبرهن على الدور الحيوي لهذه الأسلحة في الاستراتيجية الإيرانية.

في مواجهة هذه التحديات، تُبذل جهود عسكرية ودبلوماسية مكثفة. من الغارات الجوية الإسرائيلية إلى الردود العسكرية للتحالف الدولي، ومن العقوبات المفروضة على طهران إلى الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة، تتنوع استراتيجيات التصدي بشكل يعكس الأهمية البالغة لهذه القضية. ومع ذلك، تظل العديد من التحديات قائمة، من صعوبة تتبع وتدمير الصواريخ الإيرانية إلى الانقسامات الإقليمية والتوترات الدولية التي تعرقل التنسيق الفعّال.

المستقبل يتطلب تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتطوير استراتيجيات دفاعية متقدمة، والاستثمار في الحلول التكنولوجية الجديدة. من الضروري أيضًا دعم الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاقيات تحد من التصعيد وتساهم في الاستقرار الإقليمي.

في النهاية، يتطلب التصدي للتهديدات الصاروخية الإيرانية في سوريا استجابة شاملة ومدروسة تجمع بين القوة العسكرية والحلول الدبلوماسية، مع التركيز على تحقيق التوازن بين الأمن الإقليمي والإنسانية. نجاح هذه الجهود يعتمد على التعاون الفعّال بين الدول والأطراف المعنية، وتقديم دعم مستمر للسلام والاستقرار في المنطقة.

تهريب الأسلحة عبر السماء .. هكذا يهرب النظام الإيراني السلاح والمقاتلين إلى المنطقة

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بعد فوز قيس سعيّد اتهامات للنظام التونسي بقمع الحريات - المساء الاخباري
التالى إسرائيل تتوغل بريا في جنوب لبنان.. وقصف ليلي على بيروت - المساء الاخباري