ننشر لكم من خلال موقعكم " الفجر سبورت"
الدبابات الإسرائيلية تدخل معبر رفح للمرة الأولى منذ عام 2005
في مشهد غير مسبوق، منذ الانسحاب الإسرائيلي من معبر رفح ومستوطنات قطاع غزة في عام 2005، توغلت آليات عسكرية إسرائيلية في الجانب الشرقي من “محور فيلادلفيا” الفاصل بين قطاع غزة ومصر، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري.
بداية القصة، كانت مع إعلان الجيش الإسرائيلي في بيان أن قوات اللواء 401 حققت السيطرة العملياتية على معبر رفح من جهة غزة، وفصلت معبر رفح عن محور صلاح الدين أو “محور فيلادلفيا”، وذلك بعد أن شنت وحدات خاصة هجوما على المنطقة الشرقية لرفح جنوب القطاع، التي أمر الجيش سكانها بإخلائها قسرا.
لحظات قليلة بعد ذلك، وامتلأ الفضاء الإلكتروني وشاشات التلفاز، بمقاطع فيديو، بثها الجيش الإسرائيلي تظهر تجول دبابة إسرائيلية داخل معبر رفح، فيما أظهرت صور أخرى رفع العلم الإسرائيلي فوق ساريات داخل المعبر.
وبذلك تكون القوات الإسرائيلية قد توغلت في محور فيلادلفيا، وسيطرت على المعبر للمرة الأولى منذ انسحابها من قطاع غزة منتصف شهر أغسطس/آب 2005 وتسليمه للسلطة الفلسطينية آنذاك بموجب اتفاق المعابر الموقع بين الجانبين.
ولأن الحدث غير مسبوق منذ ما يقرب من 19 عاما، كانت ردود الفعل غير عادية أيضا، وكذلك التحليلات التي سرعان ما ربطت بين ما يجري واتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وذلك لأن هذا المحور بموجب المعاهدة الموقعة بين البلدين، هو منطقة عازلة كان يخضع لسيطرة وحراسة إسرائيل قبل أن تنسحب الأخيرة من قطاع غزة عام 2005 فيما عرف بخطة “فك الارتباط”.
وفي العام نفسه، وقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولًا سُمي “بروتوكول فيلادلفيا”، لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، لكنه سمح لمصر بنشر 750 جنديا على امتداد الحدود مع غزة، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود.
تداعيات هذا التطور الخطير والأحداث المتلاحقة، منذ ما جرى في صباح السابع من مايو وما تلى ذلك من اقتحام إسرائيلي لمعبر رفح، ناقشناها مع خبراء القانون الدولي وأساتذة العلوم السياسية وأيضا النزاعات الدولية، لمعرفة ما إذا كان هذا الفعل يعتبر خرقا لمعاهدة السلام أم لا، وماذا يقول الفانون الدولي والإنساني في مثل هذه الحالات، وكذلك الخيارات على الطاولة المصرية إذا ما ارادت القاهرة الرد على هذا التطور.
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ القانون الدولي العام الدكتور أيمن سلامة إن اجتياح رفح وسيطرة الجيش الإسرائيلي على المعبر من الجانب الفلسطيني هو انتهاك صارخ وصريح لاتفاق محور فيلادلفيا الموقع عام 2005 بين مصر وإسرائيل.
وأضاف أن هذا الاتفاق هو الخاص بمحور صلاح الدين أو “فيلادلفيا” هو البروتوكول المعدل الأول لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والذي رخص لمصر مكافحة الإراهاب وتهريب الأسلحة والذخائر من خلال معبر رفح وهذا المحور.
وأكد سلامة أن الخطوة الاسرائيلية انتهاك صارخ لقدسية مبدأ المعاهدات الدولية ومبادئ حسن الجوار والتعاون الدولي بين الدول المتجاورة وكذلك العلاقات الودية بين الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وأيضا ميثاق منظمة الأمم المتحدة ذاته.
الرأي نفسه اتفق معه الدكتور سعيد الزغبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، والذي اعتبر ما جرى انتهاكا صارخا أيضا من الجانب الإسرائيلي للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، موضحا أن خطوة كهذه سيرتب عليها إيقاف دخول المساعادت الإنسانية للقطاع المحاصر من خلال مصر.
يتابع الزغبي فيجدد التأكيد على انتهاك العملية الإسرائيلية لاتفاقية السلام الموقعة مع مصر، والتي تضم بنودا تنص بشكل واضح على على التزام الطرفين بصون سيادة وسلامة أراضي كل من الجانبين، وحظر اللجوء إلى التهديد أو العنف المسلح، بالإضافة إلى ضمان احترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية لسكان كل دولة، لكن إسرائيل وفق تصريحات الدكتور سعيد الزغبي لم تلتزم بهذه البنود من خلال إقدامها على اجتياح رفح واقتحام معبرها من الجانب الفلسطيني.
أما من وجهة نظر أستاذ النزاعات الدولية وخبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور، فالخطوة الإسرائيلية لا تمثل انتهاكا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وذلك لأن معاهدة كامب ديفيد قد تم إدخال تعديلات عليها فيما يتعلق بالسماح للجيش المصري بإدخال أسلحة ثقيلة.
يتابع الأعور شرح وجهة نظره، بالإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يقتحم معبر رفح في الجانب المصري، فضلا عن أن الأراضي الفلسطينية وفقا للقانون الدولي هي أراضي محتلة من إسرائيل.
لكن سواء كانت انتهكت إسرائيل معاهدة السلام مع مصر أم لم تقم بخرقها، فهذا لا يمنع حقيقة أن الدبابات الإسرائيلية كانت على بعد أمتار من الأراضي المصرية، فماذا لدى القاهرة من خيارات يمكن اللجوء إليها للرد على ما جرى، أو في أي نطاق يمكن أن تتحرك.
الدكتور سعيد الزغبي بدأ حديثه حول هذه النقطة، مستعينا بالقانون الدولي الذي يمنح مصر حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة السويس الحق الكامل في تعليق العمل باتفاقية السلام او الانسحاب منها.
لمصر الحق الكامل في تعليق العمل باتفاقية السلام أو الانسحاب منها وفق أعراف القانون الدولي
يضيف الزغبي أن المادة الرابعة من اتفاقية كامب ديفيد تنص على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود، لكن إسرائيل خرقت هذا البند باجتياح رفح وإدخال قواتها وأليات ثقيلة إلى منطقة غير مسموح بتواجدهم فيها، وبالتالي مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية سيترتب عللى ذلك خرق لبنود أخرى بالاتفاقية، وهو ما يعطي الحق للقاهرة بتعليق الاتفاقية إذا رغبت في ذلك حفاظا على حقوقها.
بالإضافة لما سبق قد تقدم مصر حسب كلام الزغبي على تقديم تقدم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدلي بوصفه الجهة المنوط بها حقظ السلام والأمن الدوليين، تتضمن إدانة للانتهاكات وحث إسرائيل على الالتزام بوقف إطلاق النار واتفاق التهدئة خصوصا بعد موافقة حماس على المقترح المصري القطري.
لكن اللجوء إلى الدبلوماسية، كان الخيار الذي اتفق عليه ضيوفنا، فبينما قال الزغبي إن التجربة أثبتت أن مصر في مثل هذه المواقف لا تتحرك إلا من خلال الجانب او الشق الدبلوماسي خصوصا وان لها باع كبير وتعتبر دولة “مخضرمة” في حل الأزمات من هذا النوع من خلال الطرق التفاوضية، أكد الدكتور أيمن سلامة أن مصر لن تلجأ إلا إليه، مشددا على على أن القاهرة لن تتحرك ضد إسرائيل في مسألة اقتحام معبر رفح، وان الدولتين لديهما تفاهمات ثنائية ولن يكون هناك اتفاقات جديدة – على حد تعبيره-.
وبين هذا وذاك يقول الدكتور علي الأعور إن مصر لا تفضل الخيار العسكري في التعامل مع إسرائيل، و يبقى الخيار الدبلوماسي بين البلدين والتحذيرات المصرية التي تأتي في إطار سياسي، مضيفا: “بالإضافة إلى العلاقات السياسية بين البلدين لم تحدث علاقات تجارية أو اقتصادية كبيرة حيث يرفض الشعب المصري التعامل مع إسرائيل، وبالتالي تبقى القنوات الرسمية هي التي تحافظ على المسار السياسي و الدبلوماسي و تأتي التحذيرات المصرية الرسمية من أجل الجمهور المصري”
في هذا الصدد يرى أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة أن الضرر الجسيم الذي يمكن أن يلحق بمصر جراء هذه الخطوة هو تدفق اللاجئين الإنسانيين الفلسطينيين الهاربين من أتون الصراع المسلح في جنوب غزة.
وأشار سلامة في معرض حديثه إلى أن القانون الدولي الإنساني فضلا عن اتفاقية الأمم المتحدة للمركز القانوني للاجئين عام 1951، يتمثل المبدأ الأساسي بها في عدم الإعادة القسرية، والذي يؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديداً خطيراً لحياته أو حريته.
نتنياهو وخطة مارشال
من جانبه، يقول الدكتور سعيد الزغبي إن الاجتياح البري لرفح يعني فض القضية الفلسطينية بشكل كامل، وإن مصر نبهت منذ أشهر إلى خطورة الموقف وخطورة اجتياح الـ 65 كم مربع لرفح، لأن هذا يعني تدفق أكثر من مليون فلسطيني إلى مصر وهو ما رفضته القاهرة، والمجتمع الدولي والولايات المتحدة وأوروبا وكذلك الدول الإقليمية التي رفضت فكرة التهجير القسري للفلسطينيين.
يضيف أستاذ العلوم السياسية، أن إتمام الاجتياح البري سيحقق رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرغب في تهجير الفلسطينيين وتولي إعادة البنى التحتية في غزة، وكأن الأرض باتت أرضه -ويفعل فيها ما يحلو له- وفق وصف الالدكتور سعيد الزغبي الذي أشار إلى أن نتنياهو يستخدم في ذلك ما يعرف بـ “خطة مارشال” عقب الحرب العاليمة الثانية عندما عرضت في 13 أبريل 1948 من طرف واحد هو الولايات المتحدة، وكانت تتحدث عن كيفية تعمير أوروبا بعد الحرب وكان هدف واشنطن العمل على عدم توغل الاتحاد السوفيتي في باقي الاتحاد الأوروبي.
حفظ ماء الوجه
“نتنياهو يحاول استعادة شعبيته المنهارة بعد 7 أكتوبر”، بهذا التعبير وصف أستاذ النزاعات الدولية وخبير الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور، اقتحام معبر رفح، الذي يقول إنه يأتي في إطار حملة إعلامية يقودها نتنياهو من أجل إرضاء بن غفير وسموتريش والحفاظ على كتلة اليمين وبالتالي فإن اقتحام المعبر رفح يمكن وضعه في إطار جزء من الحملة الانتخابية في إسرائيل.
يضيف الأعور أن إخلاء المنطقة الشرقية من رفح واقتحام معبرها من الجانب الفلسطيني، هو نوع من أنواع الضغط العسكري على حماس في المفاوضات الجارية، لا سيما وأن التوقيت يتزامن مع موافقة حماس على الورقة المصرية، وأصبح نتنياهو يتحمل المسؤولية أمام العالم بأنه يعطل صفقة تبادل الأسرى.
وبينما بدت المقاطع التي نشرها الجيش الإسرائيلي وكأنها استعراض للقوة بمعبر رفح، يتفق الدكتور سعيد الزغبي أن ما جرى قد يصنف في خانة الفقاعات الهوائية وكأنها ورقة يلناور بها نتنياهو لتبرير موقفه أمام اليمين المتشدد وأمام الشعب الإسرائيلي الذي يضغط يوميا عليه من أجل تحرير الرهائن والقبول بالصفقة المطروحة.
وفيما يتعلق بما نقلته وسائل إعلام مصرية عن مسؤول رفيع أن الوفد الأمني المصري حذر نظرائه في إسرائيل من عواقب اقتحام معبر رفح وطلب، يقول الزغبي إن مصر عندما ترسل رسالة بهذا الشكل فإنها تؤكد أنها تتحدث من منطق قوة وأن الجانب الإسرائيلي يعلم ذلك، مستدلا بما قاله نتيناهو منذ شهرين بشأن أن الطريق البحري من قبرص إلى شمال غزة كان بسبب عدم وضع مصر في موقف حرج، خصوصا بعد تصميم الجانب الإسرائيلي على تفتيش المساعدات الإنسانية القادمة من مصر قبل دخولها إلى قطاع غزة.
محور فيلادلفيا
يسمى أيضا “محور صلاح الدين” ويقع على طول الحدود بين غزة ومصر، ويقع ضمن المنطقة العازلة بموجب اتفاقية السلام الموقعة في كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، ولا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، ويمتد مسافة 14.5 كيلومترًا من البحر الأبيض المتوسط حتى معبر “كرم أبو سالم”.
وبحسب اتفاقية كامب ديفيد فإن المنطقة الحدودية “محور فيلادلفيا” تقع ضمن الأراضي الفلسطينية ويشار إليها بالحرف “د”، وتخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية التي تم تخصيصها بحسب الاتفاقية للمشاة، وتصل إلى 180 مركبة مدرعة من جميع الأنواع، وطاقم مكون من 4000 فرد بالإضافة إلى المنشآت العسكرية والتحصينات الميدانية.
وحظرت الاتفاقية تواجد أي قوات مسلحة على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية والتي سميت بالحرف “ج”، وسمحت للشرطة المدنية المصرية فقط بأداء مهامها العادية بالأسلحة الخفيفة.
شرطي حدود مصري يقف للحراسة بالقرب من برج إسرائيلي يحرس بوابة كرم أبو سالم المؤدية إلى إسرائيل من ممر فيلادلفيا. أرشيفية/أ ف ب
وظلت القوات الإسرائيلية تسيطر على محور فيلادلفيا إلى أن انسحبت إسرائيل من قطاع غزة منتصف أغسطس/آب 2005 وسلمته إلى السلطة الفلسطينية التي منحت لها الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، مع مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
ونصت خطة فك الارتباط “الانسحاب الإسرائيلي من غزة” على احتفاظ إسرائيل بوجود عسكري على طول الخط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر “محور فيلادلفيا” في المرحلة الأولى.
وذلك لتوفير الحماية الأمنية التي قد تتطلب توسيع المنطقة التي تتم فيها النشاطات العسكرية، وجعلت الاتفاقية إخلاء المنطقة مشروطا بالواقع الأمني والتعاون المصري في التوصل إلى اتفاق موثوق.
وفي سبتمبر/ أيلول 2005، تم توقيع “اتفاق فيلادلفيا” بين إسرائيل ومصر الذي تعتبره إسرائيل ملحقا أمنيا لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها.
ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة ويقدر عددها بنحو 750 جنديا من حرس الحدود، وتتركز مهمتها فقط على مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب وكشف الأنفاق. وبموجب هذا الاتفاق انسحبت إسرائيل من محور فيلادلفيا وسلمته مع معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية.