ننشر لكم من خلال موقعكم " المساء الاخباري"
بدء أزمة انقطاع الكهرباء مع وقف إيران امدادات الغاز للعراق
تعيش دينا، شابة عراقية تخرجت من جامعة بغداد، في دوامة البحث عن الاستقرار الوظيفي. رغم محاولاتها للحصول على وظيفة حكومية، وجدت نفسها مضطرة للعمل في معرض لبيع الورود والهدايا، مجال بعيد عن تخصصها. لكنها لم تكد تتأقلم مع عملها حتى بدأت مشاكل الكهرباء تهدد استمرارية هذا المشروع. اضطر صاحب المعرض إلى دفع 17,000 دولار لوزارة الكهرباء لتجنب انقطاع التيار، ومع ذلك لم يستطع تفادي الأزمة. فالتذبذب المستمر في التيار الكهربائي أدى إلى تلف أجهزة التبريد، ما أجبره على شراء مولد كهربائي بتكلفة باهظة، مضيفا عبئًا آخر على المشروع الذي بات مهددا بالإفلاس.
في 24 نوفمبر الماضي، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية عن توقف إمدادات الغاز الإيراني لمدة 15 يومًا فقط، بناءً على تأكيدات الجانب الإيراني بأن السبب يعود إلى أعمال الصيانة. ورغم أن استئناف الضخ بين البلدين لم يمضِ عليه سوى تسعة أشهر، امتد الانقطاع إلى ما يقارب شهرين حتى الآن، مما أثار تساؤلات حول مصداقية الجانب الإيراني. كيشف هذا التأخير مجددًا هشاشة اعتماد العراق على الغاز الإيراني، ومعاناة الملايين نتيجة العجز الكهربائي المستمر.
تأتي تبعية العراق لإيران في ملف الغاز كأحد الملفات التي تدل على أزمة عميقة في الإدارة السياسية للبلاد عادة ما تفسر بارتهان القرار لإيران. ذلك أن العراق يحتل المرتبة الثانية عشرة عالميًا في احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة، التي تُقدر بنحو 132 تريليون قدم مكعب. ومع ذلك، تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن العراق يحرق يوميًا نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز، ما يعادل 0.5% من الإنتاج العالمي، وهي كمية كافية لتزويد ثلاثة ملايين منزل بالطاقة.
هذا الهدر يعكس ضعف استغلال الموارد المحلية ويُجبر العراق على الاعتماد بشكل كبير على الغاز المستورد من إيران، مما يعزز التبعية الاقتصادية والسياسية، إلى جانب الأضرار البيئية والصحية الكبيرة وتقويض أحلام العراقيين ورفاهية عيشهم. تقول دينا: “منذ أول أيام انقطاع الكهرباء، بدأت الأجهزة الكهربائية في المعرض تتعطل. الفولتية كانت غير مستقرة، أحياناً ضعيفة وأحياناً متذبذبة، ما أدى إلى تلف أجهزة التبريد المخصصة لحفظ الزهور، والتي يجب أن تعمل على مدار الساعة للحفاظ على جودتها.”
دينا في محل بيع الورود. يناير 2025
لم تتوقف المشاكل عند هذا الحد، بل استمرت بالتفاقم. اضطر صاحب المعرض إلى شراء مولدة كهربائية بسعر باهظ لتسيير العمل، آملا في أن يعوض نفقاته خلال موسم احتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد. ولكن ذلك لم يكن حلاً كافياً. بل زادت الأعباء اليومية بسبب تكاليف الوقود والزيت اللازمين لتشغيل المولدة، بالإضافة إلى نفقات إضافية أخرى، مما جعل الوضع أكثر تعقيداً وصعوبة على الجميع.
غياب التدفئة ومياه الاستحمام
دينا هي واحدة من ملايين العراقيين الذين يؤثر عليهم انقطاع الكهرباء بطرق مختلفة. فإن كان يهدد اليوم حياتها الوظيفية فإنه ينغص الشتاء على الجميع دون استثناء تقريبا حيث يحرم العراقيون من المبردات صيفا و من تشغيل أجهزة التدفئة في درجات حرارة تقارب الصفر ببعض المحافظات الشمالية في شهري ديسمبر وجانفي.
تتفاقم مشكلة انقطاع الكهرباء في العراق اليوم ومنذ أكثر من شهرين متواصلين مع اشتداد برودة الشتاء وحرارة الصيف، إذ يعتمد إنتاج الطاقة الكهربائية بنسبة 30% على الغاز الإيراني، الذي يتم قطعه بشكل متكرر. هذا الاعتماد يؤثر بشكل كبير على محافظات الفرات الأوسط والعاصمة بغداد، حيث تعتمد 80% من هذه المناطق على الكهرباء المولدة باستخدام الغاز الإيراني، ومن أبرز هذه المحافظات النجف.
في النجف، يعاني المواطنون بشكل خاص من أزمة انقطاع الكهرباء، حيث يدفع البعض 7 دولارات يوميًا للاستحمام في المسابح العامة بسبب غياب المياه الساخنة في البيوت. إسماعيل كاظم، صاحب مسبح عام في النجف، تحدث لـ”أخبار الآن” عن الزيادة الكبيرة في أعداد الزوار قائلاً: “في الأيام العادية، كنا نستقبل حوالي 200 شخص يوميًا، معظمهم من زوار المحافظة القادمين لزيارة المراقد الدينية. لكن الآن، وبعد انقطاع التيار الكهربائي لفترات تصل إلى 21 ساعة يوميًا، ارتفع العدد إلى ما بين 800 و1000 شخص يوميًا”.
من داخل الحمام الذيي يمتلكه إسماعيل كاظم في النجف العراقية. ديسمبر 2024.
وأضاف كاظم أن السبب الرئيسي وراء هذه الزيادة هو عدم قدرة المواطنين على استخدام سخانات المياه في منازلهم، حيث لا يمكن للمولدات الأهلية تشغيل هذه الأجهزة بسبب حاجتها إلى قدرة كهربائية عالية.
الكهرباء في صدارة أزمات العراق
عند الحديث عن الأزمات التي يواجهها العراق، تتصدر ملفات التعليم، والصحة، والصناعة، والزراعة قائمة التحديات. هذه القطاعات التي كانت تمثل وجه العراق المشرق حتى عام 2003، شهدت تدهوراً كبيراً بعد سقوط نظام صدام حسين ودخول العراق في مرحلة جديدة من التقلبات السياسية وارتهان القرار السياسي للجانب الإيراني في معظمه.
من بين هذه الأزمات، يبرز ملف الكهرباء كأحد أبرز المشكلات التي تؤثر بشكل مباشر على حياة العراقيين. فمنذ عام 2003 وحتى اليوم، يعاني المواطنون في الصيف من ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز 50 درجة مئوية في بعض المحافظات الجنوبية، بينما يضطرون في الشتاء إلى العودة لاستخدام وسائل التدفئة التقليدية، في ظل غياب حلول مستدامة لهذه الأزمة، ببقائهم رهن إمدادات الغاز الإيرانية رغم توفر مدخرات طاقية هائلة بالبلاد.
في تصريح له بتاريخ 29 مارس 2022، أشار رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، إلى أن الإقليم يواجه معارضة كبيرة تعرقل تطوير قطاعي النفط والغاز، خاصة من الحكومة المركزية في بغداد. هذا الخلاف يبرز التوترات حول إدارة الموارد الطبيعية بين الجانبين.
وترتبط إيران بهذه الديناميكيات بشكل غير مباشر، حيث إن تعزيز استقلال الإقليم في مجال الطاقة قد يقلل من اعتماد العراق على الغاز الإيراني، مما يضعف النفوذ الإيراني في البلاد. فإيران، بدعمها للحكومة المركزية، تستفيد من استمرار الوضع الراهن الذي يعزز من اعتماد العراق على صادراتها من الطاقة.
عدم التزام إيراني
ففي محاولة لمعالجة أزمة الكهرباء، وعوض السعي للاستفادة من مدخرات البلد المدفونة وقع العراق في عام 2017 عقداً جديدا مع إيران ينص على توريد ما بين 20 إلى 30 مليون متر مكعب من الغاز يومياً لتشغيل محطات الكهرباء. هذا الاتفاق جاء في ظل فشل العراق في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الكهرباء لسنوات متعاقبة.
لكن الأمل الذي علّقه العراقيون على هذا العقد تلاشى سريعاً، حيث قطعت إيران إمدادات الغاز عدة مرات، معللة ذلك بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي تعرقل حصولها على مستحقاتها من العملة الصعبة. ومع ذلك، تمكن العراق من إقناع الولايات المتحدة بالسماح له بدفع مستحقات الغاز، إلا أن الانقطاعات استمرت بدعوى أعمال صيانة، في الوقت الذي يستمر فيه مثلا تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا، مما جعل العراقيين يدفعون ضريبة هذه الإخفاقات.
سخط شعبي ومظاهرات
منذ منتصف نوفمبر وحتى اليوم، تفاقمت أزمة الكهرباء مع توقف إمدادات الغاز الإيراني عبر الأنابيب، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات تتراوح بين 18 إلى 20 ساعة يومياً في العديد من المحافظات الجنوبية، أبرزها النجف، واسط، والناصرية.
هذه الانقطاعات الطويلة تزيد من معاناة المواطنين، حيث تنعكس على حياتهم اليومية، وتضعهم في مواجهة تحديات اقتصادية وصحية كبيرة. في الوقت الحالي تشهد محافظة واسط على غرار النجف ومناطق كثيرة موجة من السخط الشعبي نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المستمر.
تجمع أمني للتصدي لمظاهرات في منطقة واسط على خلفية تواصل انقطاع الكهرباء على المنطقة، 27 ديسمبر 2024.
في حديثه لأخبار الآن عبّر سجاد العطية، شاب من واسط، عن معاناته قائلاً: ” تعتبر محافظة واسط ممرًا تجاريًا هامًا بين المحافظات العراقية، ولكنها مهملة بشكل كبير، خصوصاً في ملف الكهرباء. انقطاع الكهرباء الطويل يؤثر على حياتنا اليومية بشكل كبير، خاصة مع بدء امتحانات النصف الأول من العام الدراسي، مما يضرّ بأطفالنا و أدائنا.”
هذا الوضع دفع بالعشرات من سكان واسط إلى تنظيم مظاهرات سلمية في بعض الأحياء السكنية، مطالبين الحكومة المحلية بالتدخل الفوري وحل أزمة الكهرباء.
علي، أحد المشاركين في المظاهرة، صرّح قائلاً: “هذه المظاهرات هي خطوة أولى للاحتجاج على شركة الخصخصة المسؤولة عن الكهرباء. إذا استمرّ الوضع كما هو، سنقوم بإغلاق الشركة خلال الأيام القادمة. نحاول التواصل مع رئيس مجلس المحافظة، لكنه يتجاهلنا بشكل مستمر.”
تعكس المظاهرات حالة الإحباط لدى سكان واسط، الذين يعانون من نقص الخدمات الأساسية وعدم وجود حلول ملموسة لمعاناتهم اليومية.
تجمع لمتظاهرين بمنطقة واسط احتجاجا على تواصل انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من شهرين، 27 ديسمبر 2024.
التقصير الإيراني وأسباب فشل العراق في إنتاج الكهرباء
تحدث الخبير الاقتصادي الدكتور علي شامي لـ”أخبار الآن” عن تفاصيل العقد المبرم بين العراق وإيران في مارس 2024، والذي يلزم إيران بتوريد 40 إلى 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا. هذا التوريد يهدف إلى تلبية احتياجات العراق المتزايدة من الكهرباء، خاصة بعد توقيع عقود لإنشاء محطات طاقة جديدة تعتمد بالكامل على الغاز. لكن هذا التوجه أثار تساؤلات كبيرة، حيث أشار الدكتور شامي إلى أن الاعتماد الكلي على الغاز كمصدر للطاقة يعكس سوء التخطيط. فالعراق يمتلك بدائل أخرى مثل النفط الأسود، بالإضافة إلى كونه يحتل المرتبة الحادية عشرة عالميًا في احتياطي الغاز الطبيعي، مما يثير تساؤلات عن أسباب عدم الاستثمار في إنتاج الغاز محليًا بدلاً من الاعتماد على إيران.
وأشار الدكتور شامي إلى أن انقطاع الغاز الإيراني المتكرر له سببان رئيسيان. الأول هو العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. بموجب هذه العقوبات، يتم تحويل مستحقات الغاز الإيراني إلى مصرف التجارة العراقي (TPI)، حيث تبقى الأموال مجمدة بسبب القوانين الأمريكية. هذا الوضع دفع إيران إلى رفض الحلول البديلة التي اقترحتها الولايات المتحدة، مثل الحصول على أدوية أو منتجات أخرى بدلاً من العملة الصعبة. النتيجة كانت قطع الغاز عن العراق بشكل متكرر، مما تسبب في أزمات كهربائية مستمرة. كلما حدث ذلك، تضطر الحكومة العراقية إلى إرسال وفود للتفاوض والحصول على استثناءات محدودة تسمح بتحويل مبالغ مالية تكفي لفترة قصيرة لا تتجاوز شهرين.
ويضيف الشامي: “أما السبب الثاني الذي تطرقت إليه إيران فهو أعمال الصيانة في شبكة الأنابيب، خاصة خلال فصل الشتاء. وعلى الرغم من أن هذه الصيانة قد تكون ضرورية، إلا أن توقيتها المتكرر أثناء أزمات الطاقة يثير شكوكًا حول ارتباطها بالضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها إيران على العراق.”
تجدر الإشارة إلى أن هذه المشاكل لا تعكس فقط عجز العراق عن تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال إنتاج الطاقة، لكنها أيضًا تسلط الضوء على تأثير التدخلات الإيرانية على استقرار البنية التحتية للطاقة في العراق.
الحلول المطروحة لأزمة الغاز والكهرباء في العراق
تحدث الدكتور علي شامي عن الحلول الممكنة لمعالجة أزمة الغاز والكهرباء في العراق، مقترحًا تقسيمها إلى محورين رئيسيين:
أولاً: استيراد الغاز عبر الموانئ
يطرح الدكتور شامي فكرة إنشاء محطات استقبال للغاز في الموانئ العراقية، حيث يمكن للعراق استيراد الغاز المسال عن طريق البواخر من دول الخليج أو دول أخرى عند الحاجة. يوضح شامي أن هذا الإجراء يمكن تحقيقه من خلال بناء شبكة خاصة للغاز يتم ربطها بخطوط الأنابيب الموجودة حاليًا.
وأشار إلى أن العراق يمتلك ميناء الفاو الذي يمكنه استقبال البواخر بأحجامها المختلفة، وأن هذا المشروع لن يكلف البلاد ميزانية كبيرة مقارنة بالعائد الذي سيحققه في توفير إمدادات بديلة عن الغاز الإيراني.
ثانيًا: استثمار الغاز المحلي بخطة خمسية
يرى الدكتور شامي أن الحل الأمثل والأكثر استدامة للعراق هو استثمار الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط. العراق ينتج كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تُهدر بسبب الحرق، بينما يمكن استغلالها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويدعو شامي الحكومة إلى تخصيص ميزانية كافية لخطة استراتيجية مدتها خمس سنوات تهدف إلى إنتاج ما يعادل 70% من احتياجات العراق المحلية من الغاز. وأضاف أن الكمية المستوردة حاليًا (50 مليون متر مكعب يوميًا) ليست كبيرة مقارنة بالاحتياطي العراقي، حيث يحتل العراق المرتبة الحادية عشرة عالميًا في احتياطي الغاز. وإذا تم تنفيذ الخطة بنجاح، سيصبح العراق قادرًا على تصدير الغاز إلى دول الجوار وأوروبا، مما يعزز ميزانية الدولة بشكل كبير.
أكد شامي أن وزارة النفط العراقية لا تُبدي اهتمامًا كافيًا بإنشاء منصات لاستيراد الغاز من دول أخرى، كما لا توجد شبكات أنابيب مع دول مثل تركيا أو الخليج، مما يجعل العراق معتمدًا بشكل كامل على إيران. وذكر أن تحويل الغاز المحروق إلى غاز صالح للاستعمال يتطلب خمس سنوات من العمل الجاد، لكنه قابل للتنفيذ إذا توفرت الإرادة السياسية.
من يستفيد من هذا الانقطاع؟
من جانبه، أشار الدكتور كوفان شيرواني إلى أن التأخير في استثمار الغاز العراقي ليس بسبب نقص الميزانية أو خلل فني، بل يعود إلى وجود أطراف مستفيدة من إبقاء العراق معتمدًا على الغاز والكهرباء الإيرانيين. وأضاف أن إيران تعتمد بشكل كبير على الأموال العراقية لسد احتياجاتها الداخلية والخارجية، خاصة في ظل أزماتها الاقتصادية والسياسية.
وأكد شيرواني أن العراق بدأ بالفعل في تنفيذ خطة لاستثمار الغاز المصاحب، ومن المتوقع أن تنتهي بحلول عام 2028، حيث سيصل إنتاج الغاز إلى مستويات تلبي الاحتياجات المحلية وتفتح أبواب التصدير إلى أوروبا ودول الجوار. إذا تم تحقيق هذا الهدف، فسيُضاف مصدر دخل جديد ومهم إلى ميزانية العراق.
تشير الحلول المقترحة إلى إمكانية تحقيق العراق استقلالية في قطاع الغاز والطاقة عبر استثمار موارده المحلية أو تنويع مصادر إستيراد الغاز. لكن تنفيذ مشاريع وطنية طاقية ضخمة يتطلب إرادة سياسية قوية وخطة واضحة لتحرير العراق من الاعتماد المفرط على إيران وضمان استقرار قطاع الطاقة مستقبلاً.
إيران والضغط على الحكومة العراقية عبر ملف الغاز
يرى المحلل السياسي سامي ريكاني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دهوك في حديثه لأخبار الآن: أن إيران تستخدم ملف الغاز كأداة ضغط على العراق. وأوضح أن طهران تلجأ إلى هذه الورقة عند كل أزمة إقليمية، مثل الحرب في غزة، لتوجيه رسائل سياسية، خاصة عندما تجد أن السياسات العراقية بدأت تتجه بعيداً عن النفوذ الإيراني.
وأشار ريكاني إلى أن إيران تعتمد على أحزاب سياسية وميليشيات داخل العراق لتعطيل توقيع أي عقود غاز مع دول أخرى، مثل السعودية أو تركيا، وذلك للحفاظ على هيمنتها على السوق العراقي.
وأضاف أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران بسبب العقوبات الأمريكية زادت من حاجتها إلى الأموال العراقية المجمدة في الولايات المتحدة. كما تستخدم طهران ملف الغاز للضغط على الحكومة العراقية للحصول على استثناءات تمكنها من الوصول إلى هذه الأموال، خاصة مع تزايد خسائرها في مناطق مثل غزة وسوريا واليمن.
بين البدائل البدائية والتحديات البيئية
في ظل استمرار أزمة الكهرباء في العراق، لجأ المواطنون إلى حلول بدائية للتدفئة، حيث أعادوا استخدام المدافئ النفطية القديمة التي كانت شائعة خلال فترة الحصار. كما يعتمد البعض على تسخين المياه باستخدام هذه المدافئ، وهي حلول تعكس غياب الخيارات الحديثة والمستدامة في ظل تفاقم الأزمة.
على الجانب الآخر، يلجأ العراقيون بشكل متزايد إلى المولدات الأهلية لتعويض انقطاع التيار الكهربائي. لكن هذا الحل يحمل أعباء اقتصادية كبيرة؛ إذ يصل سعر الأمبير الواحد إلى 20 ألف دينار عراقي (حوالي 14 دولاراً)، مما يضطر العائلة الواحدة إلى استخدام ما لا يقل عن 7 أمبيرات، أي ما يعادل 100 دولار شهرياً. ورغم هذه التكلفة الباهظة، فإن المولدات لا تستطيع توفير طاقة كافية لتشغيل أجهزة التدفئة، مما يترك الأسر في مواجهة برد الشتاء القاسي.
انتشار المولدات الأهلية بحي الأمير الذي يُعتبر واحد من أرقى الأحياء وأكبرها في الجنوب الشرقي من مدينة النجف
إلى جانب التكلفة، تعاني المولدات الأهلية من مشاكل بيئية خطيرة. فغالبية هذه المولدات قديمة وتعتمد على تقنيات متهالكة، ما يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من الغازات الملوثة التي تزيد من تدهور جودة الهواء. العراق، الذي يُعد من الدول الأكثر تأثراً بالاحتباس الحراري، يحتاج اليوم إلى خطة وطنية عاجلة لتقليل التلوث البيئي ومعالجة أزمة المناخ.
يُضاف إلى هذه التحديات أن هواء العاصمة بغداد مصنف الآن كأحد أكثر الأجواء تلوثاً في العالم، وهو ما يعكس تأثير هذه الأزمة ليس فقط على معيشة المواطنين، بل أيضاً على صحتهم وبيئتهم، مما يتطلب حلولاً مستدامة وشاملة بعيداً عن الاعتماد على حلول مؤقتة وبدائية.
يعكس الاعتماد المفروض على العراق لاستخدام الغاز الإيراني، وما يتعرض له العراقيون من أعباء وإهانات بسببه، مثالاً صارخاً على استنزاف ثروات البلد لخدمة مصالح خارجية. هذا النوع من الاستغلال، الذي يذكرنا بعهود الاستعمار، لن يتوقف إلا حين يتمكن البرلمان العراقي من ممارسة دوره التشريعي بحرية، وتستعيد الحكومة العراقية استقلالية قراراتها بعيداً عن الهيمنة الإيرانية. إنه أمل يتشبث به العراقيون في أعماق قلوبهم.